المقالة الأسبوعيةخاص ليبابيديافادي رياض سعد

“صراع السيف والقلم”.

يقال"كلما فتحتَ مدرسةً أغلقتَ سجنًا".!!.. أما اليوم،،، فقد انعكست الآية،،، المدارس تُقفل وسجونٌ تُفتح تتسع لكل العقول والمثقفين ممن يرفضون التصفيق،  والمؤسف أن العلاقة بين المثقف والسلطة هي علاقة محكومة بالالتباس، ومتوترة،  حيث أسماها البعض "صراع السيف والقلم".

قدّم «إدوارد سعيد» في كتابه الذي يضم سلسلة «محاضرات ريث» التي ألقاها سنة 1993، رؤيتَه لصور المُثقف والتحديات التي تُواجِه جماعةَ المُثقفين في المجتمعات، مُستحضِرًا الكثيرَ من التجارب والنظريات والأعمال التي تناوَلت المُثقفين، مثل تعريف المُثقف عند «جرامشي» و«بندا» و«فوكو»، أو الأعمال الأدبية التي ناقشت تفاعُل المُثقف مع الواقع الاجتماعي مثل: صورة الفنان في شبابه ﻟ «جيمس جويس»، ورواية التربية العاطفية ﻟ «فلوبير»، ورواية آباء وأبناء ﻟ «تورجنيف». مع التطرُّق إلى المُثقف المَنفي وحالة الاغتراب المُلازِمة له، مع ذِكر نماذج لذلك. ويُؤكِّد على ضرورة استقلالية المُثقف عن كافةِ أشكال السلطة، والرؤيةِ النقدية التي تَستفزُّ القوالب النمطية الثابتة.

ففضاء المثقف هو الحرية والنقد المفتوح والبناء، أو كما قال جورج طرابيشي: إن “مهمة المثقف أشبه ما تكون بذبابة سقراط: أن يوقظ لا أن ينيم، وأن يلسع لا أن يخدّر”، وذبابة سقراط هي وصف أفلاطون لأستاذه بأنه كذبابة الخيل التي تستحثّها على الحركة، وهذا هو دور المثقف في المجتمع.

أما فضاء السلطة، فهو فضاء السمع والطاعة المطلقَين دون إبداء أي رأي، فالرأي هو شق للصف وخروج على الجماعة، كما هو مألوف في كل تاريخنا…

ومما لا  شك فيه أن الحديث عن المثقف وعلاقته بالسلطة والمجتمع يطرح تساؤلات كثيرة تبدأ “من هو المثقف وما هو دوره في المجتمع؟. وما علاقته بالمجتمع والسلطة؟ وما السمات التي يجب أن تتوافر فيه؟”

تتعدد التعريفات وتكثر المصطلحات في تحديد ماهية المثقف، فالبعض يعتبره ذلك القارئ النهم الذي يقضي أيامه وهو يجول بين العقول ويتنقل بين السطور، والبعض يعتبره ذلك الأكاديمي الحاصل على شهادة… ودون أدنى شك فإن هذه التعريفات للمثقف هي تعريفات سطحية… لن نغوص في مناقشة هذا التعريف أو ذاك المصطلح  فهذا ليس موضوعنا…

يمكننا القول أن المثقف هو القارئ لواقعه الذي يعيش روح عصره ويعلم ما يجري حوله ويساهم بأدائه وعبر كلماته في بناء الرؤى وصياغة المفاهيم ووضع الأفكار البناءة. ويكمن دوره في التساؤل والبحث في الظواهر والأحداث، وتقديم البدائل، ولذلك فليس بالضرورة أن ينتمي لطبقة معينة!… وإنما يتحدد تعريفه ودوره تبعا للإنتاج الفكري.

وعطفا على ما سبق، فإن على المثقف المعاصر أن يمارس دوره في عملية بناء الأفكار ونقدها بحرية تامة دون أن يكون هناك رادع من سلطة أو حكومة أو فرد، وعليه أن ينتقد  المجتمع والأشخاص والأفكار والأعمال والدولة والسلطة والحاكمين والمحكومين إلخ.. على أن يكون نقدًا بناءً يساهم في طرح الإشكاليات والجواب عليها عمليًا وميدانيًا دون الاكتفاء بمجرد التنظير…

فالمثقفون شريحتان، الشريحة الأولى مهمتها التبجيل والثناء، فتقوم السلطة باستقطابها وأدلجتها وفق ما تريد (لتنتج الثقافة والمثقف في آن معا)، إذ لا يمكنها (أي السلطة) وضع سياسة من دون أن تضفي عليها الشرعية، فتقوم باعتماد ثقافة خاصة بها تكون وجهًا من أوجهها تستخدمها كورقة رابحة، وتقوم بإقصاء آلاف المثقفين الرافضين لثقافتها.

اما الشريحة الثانية، فهم المثقفون الذين رفضوا التصفيق واختاروا المواجهة والإنتفاض بوجه الفساد والاستبداد، مما ولّد صراع الأضداد…

فالحرية صراع مستمر إلى أن ينتصر الحق ويزهق الباطل.

فادي رياض سعد

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »