الدكتور نسر حدادخاص ليبابيدياكتّاب الموقعكتاب وآراء

د. نسر حداد: “عجز أم لعنة قدر ؟!”.

أي اللغات وأي العبارات تبرد لوعة أم وتطفئ حرقة فؤادها بعد أن خسرت أطفالها أمام عينيها أو فقدت جنينا” لها لم تضمه الى صدرها إذ قتل قبل أن يولد ؟!
أي الخطابات وأي الهتافات في الشوارع والساحات ترمم قلوب أطفال تحطمت حين سلختهم أيدي البرابرة من أحضان أمهاتم ورمت بهم بين براثن اليتم والتشرد والعذاب ، وأي الصرخات والتأوهات تحميهم من فتك القنابل التي تبعثرهم أشلاءً في الهواء أو تقي أجسادهم الغضة أنياب البرد وقسوة الأنواء ؟!!
أي لمسات حانية تقدر أن تبلسم قلب زوجة ينزف ألمًا على زوج سحق تحت الأنقاض من غير أن تودعه بعبارة حب أو نظرة وداع أخيرة ؟!
أي كلمات تواسي قلب جدة عجوز وأي مفردات تصف حزن عينيها وهي تشيع أحفادها وفلذات أكبادها الى مثواهم الأخير بقلب مترع بالأسى واللوعة والأنين؟!
أي دموع وأي حسرات تروي ظمأ الأفواه العطشى أو تسد جوع الأمعاء الخاوية ؟!!
هل من مآساة أبشع وأبلغ طعنًا لمعنى “الوجود الإنساني” وأشد إيلامًا وأشرس فتكًا بقيم الحق والعدل والحرية من تلك الجرائم البربرية المتواصلة من دون رحمة أو رأفة أو وجل أو حتى خجل ؟!!
الى متى سيظل أنين الأرواح المعذبة يتصاعد من عمق الأعماق ، وتنساب الدموع حارة من المآقي والأحداق ؟!
والى متى ستولد أجيال تلو أجيال على هذه الأرض بلا أحلام كورود بغير شذا أو كمراكب محطمة الصواري ؟!
الى متى سيبقى هواء بلادنا ملوثًا بروائح البارود والدخان ومدنسة أرضنا بأقدام الغزاة والبرابرة ؟!
الى متى تستولد النكبة النكبة ، ويستدر الدمع الدمع ، ويستسقي الدم الدم ؟!
الى متى سيطول عطش هذه الأرض للعدل والحرية وقد سقيناها من شرايين قلوبنا حتى الإرتواء ؟!
الى متى سيستمر القهر في بلادنا يتناسل قهرًا وتعاسة وشقاء ؟!
ألم يحن الوقت لتنقرض ذريته عن وجه هذه الأرض فنرتاح ونلملم أشلاؤنا المبعثرة ونعيد رسم الأمل على الوجوه الحزينة ؟!
هل هو القدر سبب جميع مآسينا أو هل نحن من جلبنا الويل لأنفسنا في حاضرنا وماضينا ؟!!
أخال ذاك الشيخ الجليل الذي ندعوه القدر ، المنتصب على قارعة الدهر وقد وشحت الحياة ملامحه بالوقار ورصعت كلماته بالحكمة ، يقف مصغيا” بصمت الى صراخنا ، متأملًا بحزن مواكب الأجيال التائهة ، ومستمعًا الى عويلنا المتصاعد من لجج الدموع والدماء كأنه يقول
في أعماقه :
كم أنت تعس ومسكين أيها الإنسان !!!
منذ الأزل وأنت ترمي سهامك الى صدري وتضع أحمالك فوق ظهري ، وما فتئ خوفك يصورني عدوًا لك وقد غفلت أن عدوك اللدود المتربص بك موجود في داخلك ، وأنه ليس لك من عدو سوى جهلك ، وما حالة البؤس التي أنت فيها سوى الوجه الآخر لضعفك وعجزك !…
لن تنضب وتجف أنهر الدماء والدموع المنسابة في هذه الأرض ما دمت أيها الإنسان لم تجعل من قلبك معبدًا للمحبة ومن عقلك صومعة للحق ، وما زلت لا تحب جارك كما تحب نفسك حتى إذا ما هبت العواصف العاتية وقفتم وقفة رجل واحد وأغلقتم بإحكام أبوابكم ونوافذكم دونها ، ومنعتم الأفاعي المتربصة بكم من أن تنساب غفلة أو في وضح النهار الى عقر داركم ومخادعكم وترديكم بسمها !!!
ما كانت لتحل النوائب بكم لو كنتم متحدين متحابين غير منقسمين أو لم تسمعوا أن كل “مملكة تنقسم على ذاتها تخرب” ؟!!
طالما يهجع البغض في أفياء بيوتكم وتسكن الكراهية حنايا قلوبكم فستظلون وجبة لنار الطغاة والطامعين في بلادكم وسيغمر رماد الأجيال هذه الأرض المنكوبة !…

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »