الدكتور جهاد نصري العقلخاص ليبابيدياكتّاب الموقعكتاب وآراء

جهاد العقل : متى الخلاص من الألقاب المذّلة؟

من خوابي الذاكرة (5)

 

ثلاثة عقود، تقريبا، مرّت على قرار مجلس وزراء لبنان، المتخذ في16-10-1997  والقاضي بالغاء “الألقاب التفخيمية” من  فخامة ودولة ومعالي وسعادة وسيادة، وبيك وباشا وأفندي..واعتماد مكانها كلمة “السيد” في التخاطب الرسمي عموما.

طبعا، لم يطبّق هذا القرار، حتى الآن، بل ما زالت هذه الألقاب متفشيية بالإضافة إلى أخرى مليشياوية كالريس والباش والأبوات(أبو …) وغيرها .

وللتذكير فإنّ هذه الألقاب متوارثة من العهد العثماني، وقد تخلت عنها الدولة التركية ذاتها منذ اصلاحات أتاتورك، لأنّها تتعارض وروحية القوانين القائمة على المساواة بين أبناء المجتمع الواحد .

إنّها ألقاب كانت تصلح في عصور التخلف والتلسط والاقطاع، أما في عهد الدولة والقوانين، في عهد البناء الاجتماعي، في عهد الجماعة الواعية، في عهد الحكم الذي يقود بالقدوة، ويقدّر المعرفة أكثر من العدد، ويحلّ الحكمة مكان التحكم، ويثق بالمقدرة والكفاءة والمواهب . في عهد القوانين والمؤسسات والقيادات، يجب أن تسقط هذه الألقاب المذلة للكرامة الإنسانية، الخالية من أي ذوق حضاري، المفككة لوحدة المجتمع والمساواة والتمييز بين أبنائه.

فإلى “ثقافة وطنية”، تعزّز ثقّة المواطن بنفسه، وبدوره القيادي في ورشة النهوض بالوطن وانمائه واعماره، والتضحية بالذات الفردية من أجل خير المجتمع، وانتصار الحياة قيمة عليا. وتقديم حياة المجموع في العزّ على المنافع الفردية، فالحياة ليست  بالألقاب والمقتنيات والسيارات وحسابات المصارف..، الحياة كلّ الحياة أن تحيا عزيزا مكرما  محترما.

وإلى “ثقافة إدارية” تبني بالعلم والقدوة والكفاءة أجهزة الدولة، وتقدم روحية القوانين والأنظمة على الشكل والمظهر، وتسقط الهرمية التراكمية في الوظيفة العامة، التي تصّور الوظائف بفئاتها ورتبها وكأنّها مجموعة من الأفراد تتسلق على ظهور الآخرين أو تتسلط على رقابهم، أو تدفع بهم كالقطعان نحو أوكار الذئاب وأنياب الإهمال وبراثن الفساد .

فإلى “ثقافة إدارية” تتفاعل في مرجلها كل الإمكانيات المتنوعة، لتعطي الدولة وحدة إدارية متكاملة ومتجانسة معبّرة فعلا عن أصالة هذا الشعب، محققة مصلحته العامة في حياة كريمة سعيدة .

إلى العمل، من أجل بناء الوطن السيد، كلّ شريف فيه سيد، ولو خيّر الأسياد أو السادة في أن يكونوا مطايا أو ضحايا، لاختاروا حتما أن يكونوا الضحايا، التي تعبر على أجسادهم الأجيال نحو الغدّ الأفضل والأجمل، نحو الوطن الحرّ السيد .. حيث كل مواطن فيه حرّ سيّد .

نكرّر الدعوة إلى إلغاء جميع هذه الألقاب “التفخيمية” المذلة والمحقرة لكرامة الإنسان. والسلام على كلّ من اهتدى إلى نور الحقّ والخير والعدالة والمساواة بين أبناء المجتمع الواحد .

د.جهاد نصري العقل

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »