المقالة الأسبوعيةخاص ليبابيديافادي رياض سعد

واحد وتسعون عاماً على إنطلاق “النهضة السورية القومية الإجتماعية”، فجر جديد بنظرة جديدة.

 إذا أراد الإنسان أن يتحرر من العبودية، عليه أن يعلم حقيقته وهويته ويمتلك الوعي والإرادة وييذل نفسه في سبيل القضية ليحيا حياة الأحرار. والمجتمع ليس مجتمعاً بمفهومه الحقيقي الا إذا اتّصف أبناؤه بقيم عظيمة ومثل عليا تسمو بهم الى مرتبة الإنسانية العظمى. فكان يوم 16 تشرين الثاني 1932 نقطة بداية لفجر جديد، بنظرة جديدة الى الحياة ووضع أسس بناء الانسان الجديد، "الإنسان المجتمع".

أطلق أنطون سعادة بتاريخ 16 تشرين الثاني  1932 ” النهضة السورية القومية الإجتماعية”  في مواجهة الانتداب الفرنسي، بهدف  إحياء حقيقة الأمة السورية وشقّ طريق وجودها وارتقائها وإقامة نظام اجتماعي جديد فيها. فوضع مبادئها التي عيّن فيها حقيقة الأمة السورية وحقيقة الوطن السوري والدعوة.

و بعد انكشاف أمر هذه النهضة والفكر القومي الإجتماعي عام 1936، أطلقت السلطة الفرنسية حملة إعتقالات واسعة على اعضاء الحزب ومناصريه. وشعر المندوب السامي الفرنسي آنذاك  “دي مارتيل” بالخطر الحقيقي على سياسة الاستعمار التي بدأتها فرنسا منذ منتصف القرن التاسع عشربالتوافق مع بريطانيا والتي تسببت بالمذابح الطائفية في تلك الأثناء.

وبعد جولة على المعتقلات  وجد “دي مارتيل” أن السجناء ينتمون الى مختلف الطوائف اللبنانية، فاعتبر ان توحد الطوائف اللبنانية في حزب واحد يشكل خطرًا على الاستعمار، لذلك استدعى بنفس الليلة شخصيات سياسية من طائفتين مختلفتين واعطى الأول رخصة لحزب مسيحي،،، والثاني رخصة لحزب إسلامي،،، حيث اتّسعت هوة التشرذم الطائفي التي مازالت تُشعل الحروب في بلادنا وتردينا الى هاوية جهنم حتى الآن.

واجه أنطون سعادة بقوة الكلمة والفكر والموقف وبالنار والحديد الفكر الاستعماري والاحتلال الفرنسي والمشروع الصهيوني والهيمنة الأميركية ودعاية الإمبريالية وخيانة الأنظمة.

فهو صاحب الكلمة المؤمن بحقوق قضيته، المفكر الحر الذي نقد وطرح وناقش وكتب ونظر، رجل وحدة الشعب والأرض والقضية، وزعيم في السياسة كما تليق أن تكون الزعامة.

وهو علماً من أعلام الوحدة، نادى بها شعباً وأرضاً وعقيدةً. وعاند بقوّته التقسيم والتقسيميين منذ وعد بلفور واتفاقية سايكس – بيكو، حتى نقموا عليه. وواجه بكل حزمٍ ثلاثية “التبعية والانعزال والتقوقع”  لمصلحة ثلاثية “الوحدة والسيادة والنهضة”، منعاً للسقوط في مخططات الدول الغربية الاستعمارية، فلا نهضة بدون وحدة وسيادة.

أما حديثه عن فلسطين، فكان بعيداً عن سياسات البعض الواهنة والمستسلمة:  حيث قال:

“لعلّكم ستسمعون من سيقول لكم إنّ في إنقاذ فلسطين حيفاً على لبنان واللبنانيين، وأمراً لا دخل للبنانيين فيه. إنّ إنقاذ فلسطين هو أمرٌ لبناني في الصميم، كما هو أمرٌ شامي في الصميم، كما هو أمرٌ فلسطيني في الصميم. إنّ الخطر اليهودي على فلسطين هو خطر على سورية كلها”.

وعى أنطون سعادة فلسطين قبل النكبة ، وناصرها ودافع عنها حتى الكلمة الأخيرة والنفس الأخير. وكانت رؤيته واضحة وحاسمة:  بأنّ المقاومة هي السبيل الوحيد لاستعادة الأرض وأنّ السلام مع اليهود ممنوع، فمن يقرأ تارخ أنطون سعاده عن فلسطين، يجد أنه يشكّل جبهةً كاملة للدفاع عنها في كلّ ما يمكن للمرء أن يدافع عنها، ويمكن القول، لو امتلك العرب حينها جيشاً يحمل أفكار وعنفوان أنطون سعاده لما سقطت فلسطين…

وحدد سعادة العدو وكيفية مواجهته منذ وعد وبلفور وقبل أن ينشأ (الكيان الصهيوني)، حيث قال:  “إنّ لنا اتصالاً باليهود “الصهاينة” مشرّفاً هو اتصال الحرب والنار بيننا وبينهم، هو اتصال الأعداء بالأعداء وهذا الاتصال مشرّفٌ بلا شك”.

وأضاف في سياق متصل: “إن مَحق الدولة الجديدة المصطنعة (الكيان الصهيوني) هو عملية نعرف جيداً مداها، إنها عملية صراع طويل شاق وعنيف، يتطلب كلّ ذرة من ذرات قوانا لأنّ وراء الدولة اليهودية الجديدة مطامع دول أجنبية كبيرة، تعمل وتساعد وتبذل المال وتمدّ الدولة الجديدة بالأساطيل والأسلحة لتثبيت وجودها”.

أما في موضوع السلام فكانت رسالته المدوية لكلّ اللاهثين الهالكين في وهم السلام، حيث قال: “إنّ لنا في الحرب سياسة واحدة هي سياسة القتال، أما السياسة في السلم فهي أن يسلّم أعداء هذه الأمّة بحقها ونهضتها”.

فادي رياض سعد

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »