المقالة الأسبوعيةخاص ليبابيديافادي رياض سعد

إذا أردنا أن نعرف ماذا في لبنان… ماذا يجب علينا أن نعرف؟…

الذين عاصروا بدايات التلفزيون في العالم العربي، وكانوا يتابعون مسلسلات الأبيض والأسود، يتذكرون العبارة الشهيرة للفنان السوري الراحل “نهاد قلعي”، الذي جسّد شخصية “حسني البورظان” في مسلسل “صح النوم” الكوميدي الشهير، والتي يقول فيها: “إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا يجب أن نعرف ماذا في البرازيل”.

كانت تبدو عبارة فكاهية وفذلكة لا معنى لها، لكن أحداً منّا لا يعرف كيف كان الصحافيّ سيكمل مقالته!… فأحداث المسلسل الكوميديّ كانت تأخذه دائماً، وتأخذنا معه، إلى أمكنة أخرى ومواقف مختلفة تمنعه من متابعة المقالة وتمنعنا من معرفة الجواب، لكنّ ما لا يذكره الناس ربّما هو أنّ أحداً حاول مرّةً أن يعطي جواباً عن السؤال الذي يطرحه،،، فبادره بالقول: “شو في بإيطاليا غير المعكرونة؟.. وشو في بالبرازيل غير القهوة”؟…

لعلّنا لا نجد تعبيراً فكاهيّاً عن عالمنا “المعولم” يضاهي في عمقه افتتاحيّة حسني البورظان لمقالته غير المكتملة. فكلّ شيء في عالمنا اليوم يبدو مرتبطاً بكلّ شيء، والعولمة زادت حياتنا تعقيداً، لا لأنّها تربط الأشياء بعضها ببعض، في السياسة والاقتصاد والاجتماع وحسب، بل لكون حياة الفرد فيها باتت مفتوحةً على كمّ هائل من احتمالات الوجود.

في المجتمعات القديمة، كانت الأطر التي تتحرّك فيها حياة الأفراد، معروفة، وقابلة إلى حدٍّ بعيد للرصد المسبق، فإن معظم الأفراد كانوا يتّخذون مهنة آبائهم، ويسلكون مسارات شبه مرسومة مسبقًا. أتت الحداثة لتقلب هذا الواقع جذريّاً، حيث أعادت النظر في الثوابت وغلّبت المتحوّل على الثابت، ثمّ أتت العولمة فربطت المجتمعات بعضها ببعض، اقتصاديّاً وثقافيّاً على نحو وثيق لم يشهده التاريخ من قبل، واصبحت إيطاليا مرتبطةً بالبرازيل، الأمر الذي يدفعنا إلى أن نعرف فعلًا ماذا يجري في إيطاليا حتّى نفهم ماذا يجري في البرازيل.

وفي بلدنا المنكوب يالأزمات ومصاب بجائحة الفساد والأوبئة والإنحدار الأخلاقي، بات لزامًا علينا أن نعرف ماذا يجري في الصين كي نفهم ماذا يحدث، لا في إيطاليا فقط، بل في كوريا وألمانيا والولايات المتّحدة وروسيا وفرنسا وغيرها من الدول…

هل ستكتمل مقالتنا في لبنان؟.. وهل سنتمكن من معرفة ماذا يجري في دول العالم؟.. كي نعرف ماذا يجري في لبنان؟…

فادي رياض سعد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »