الدكتور نسر حدادخاص ليبابيدياكتّاب الموقعكتاب وآراء

نسر حداد: الشيزوفرينيا اللبنانية !!

 

نترنم ونطرب بأغاني فيروز في الصباحات والعشايا ونتغنى بها هدية الله الأبهى لهذا المشرق الحزين وحين نصحو من سكرة الطرب يشد بنا الحنين الى عواء الذئاب ونعيق الغربان وصرير السيوف … !
نتمايل على موسيقى الناي مع جبران في سهراتنا كما تتمايل الغصون مع النسيم ونتفاخر بنابغة عز بمثله الزمان وعند الفجر ندير ظهورنا لشمسه الساطعة لتقودنا أخيلتنا الى جوار القبور …!
نتباهى بقدموس معلم الإنسانية الأول وبحروفه التي سكبها نورا” في مقل العميان ليبصروا وزرعها كلمات على السنة الخرس لينطقوا ولكن لا نلبث أن نعود الى كهوفنا المظلمة لنمارس هوايتنا البدائية برسم شعوذاتنا عالحيطان …!
تنتفخ صدورنا بالكبرياء وتلمع عيوننا بالغرور ونحن نتحدث عن مدرسة الحقوق الأولى في بيروت التي وضعت المدماك الأول الفاصل بين الحق والباطل ولا يندى لنا جبين حين يمسي ميزان العدالة في أيدي تجار السياسة و بعض غلاة رجال الدين …!
نتفاخر بعدد الجامعات والمدارس ولكننا لا نخرج سوى أفواجا” من الطائفيين أو ليس لكل طائفة جامعاتها ووطنها المرسوم في أحلامها ومخيلتها …؟!
يتغنى سياسيو البلاد ليل نهار بشعارات الحرية والسيادة والإستقلال وجلهم يتوسلون رضى السفارات الأجنبية …!
نحاضر عالملأ بنظافة الكف والغيرة على مصلحة الوطن ونحن في السر مواظبون من دون كلل على سرقة المال العام وإفلاس الدولة وتعميم ثقافة الفساد وتوريثها من جيل الى جيل …!
نشتم زعماء السياسة في مجالسنا الخاصة ونجاهر بإشمئزازنا من التعصب الديني وكرهنا العميق له في ترداد ممل لموال لبناني قبيح وإذا ما نادى المنادي ” يا غيرة الدين” ترانا نخرج من أسوارنا ونسير قطعانا” نحو حتفنا الأخير …!
هذا الواقع من الإنفصام في الشخصية والإنقسام العميق في الرؤية والنظرة الى الهوية والوطن هما السبب في هذا الويل الذي نعاني منه فلا نخرج من أزمة حتى نقع في ثانية أشد وأدهى في دوامة مستمرة لا متناهية من العبثية أشبه بمسرحية درامية يلعب الإضطراب النفسي-الفكري دور البطل على خشبتها في تعبير عن تنازع وعراك عنيفين بين ما نطمح اليه وما نحن عليه، بين ما نقوله وما نمارسه، بين إدعاء التميز المبالغ فيه والواقع المضطرب الذي نعيشه، بين الصورة المتألقة الوهمية من خارج وبين الحقيقة الواقعية الأليمة من داخل …!
وطن يملك هذا الكم الهائل من الجمال طبيعة” وفنا” وشعرا” وعبقرية” وتنوعا” وفيه أيضا” هذا الصراع العبثي بين المناقب وبين المثالب، بين من يتوق للتحرر من التعصب الطائفي والتبعية وبين من هو مصر على إزكاء التعصب والتزلم للأصنام ، هذا وطن مصاب بداء عضال مزمن لا شفاء منه وهنا تكمن نكبته وسبب مأساته الكبرى …!

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »