الدكتور نسر حدادخاص ليبابيدياكتّاب الموقعكتاب وآراء

د. نسر حداد: أضواء على أسس التربية !

 

كنا في مقالة سابقة قد تناولنا مسألة صناعة جيل عظيم من الرجال والنساء العظماء متى ما توفر إلمام عميق عند الأهل بخطورة المهمة التربوية الملقاة على عاتقهم في تنشئة أبناءهم وفي المسؤولية الجبارة تجاه المجتمع والوطن التي يتحملونها من خلال عملية البناء النفسي والجسدي للطفل ، وفي هذه المقالة سوف نعالج موضوعًا مهمًا حول المراحل العمرية التي يمر بها الأبناء وضرورة إدراك الأهل لأهميتها والإلمام بالقيمة العظيمة لعامل الوقت الذي إن لم يستغله الشخص أفضل إستغلال بحسب كل مرحلة من عمره فإنه يفوت على نفسه الكثير من الأمور الهامة التي لا يمكن تعويضها لاحقًا بالندم أو بغيره !
من المهم لا بل في غاية الأهمية معرفة خصوصية كل مرحلة من مراحل العمر للإستفادة منها على أكمل وجه بحيث لا يفوت صاحبها منها شيئًا إذ لا ينفع أن يمارس الشخص في عمر الأربعين مثلًا ما كان محببًا أن يمارسه أو يفعله في العشرين من عمره ، فالنشاط البدني والصفاء الذهني اللذين يتمتع بهما الإنسان في عمر صغير يزيدان من قدرته على ممارسة هوايات ومشاريع كثيرة ويؤهلانه لبناء ثقافة معرفية من خلال المطالعة لأن الذاكرة تضعف مع مرور الوقت فما يحفظه في الصغر يصعب عليه كثيرًا أن يتذكره في الكبر !
يجب ألا يقع الأهل (والأبناء) في “فخ” التأجيل والمماطلة لأنه كما قلنا الذي يفوت من عمر الإنسان لا يمكن تعويضه ولذلك فمن الضروري جدا” جدا” الفهم الصحيح لأهمية الوقت والإدراك العالي لقيمته لأنه موضوع في غاية الخطورة !
علموا ونبهوا أطفالكم أن كل حدث في حياتهم يجب أن يحصل في المرحلة الملائمة والمحددة له من عمرهم مثل المسافر بالقطار إذا فاته موعد الرحلة سيصل متأخرًا ولربما لن يأتي قطار آخر يستقله الى الوجهة التي يقصدها !…
الزواج مثلا” وتأسيس عائلة كقاعدة عامة وأساسية في الحياة (مع بعض الإستثناءات ! ) له وقته في سن مبكرة ولأسباب عديدة معروفة ، لذلك فالمماطلة وإضاعة الوقت ليسا سوى فاتورة باهظة ومؤجلة سوف يدفع ثمنها الأبناء لاحقًا من راحتهم و سعادتهم !…
فليدع الأهل أبناءهم يتمتعون بكل مرحلة من حياتهم من دون أن يقيدوهم بأفكارهم التي قد لا تصلح لعصرهم إلا من ناحية التوجيه الأخلاقي والقيمي على المبادئ والفضائل التي لا تنحصر بجيل معين وليتعلم الطفل أن يميز بين الصح والخطأ ويصقل شخصيته بالتجربة (تحفيز التفكير النقدي) ، ويجب التركيز والإنتباه للناحية النفسية للطفل لأنها تدخل في صلب تكوين شخصيته (هويته) التي سيتعرف المجتمع عليه من خلالها ، فإما نبني في أبناءنا شخصية إنطوائية ، ضعيفة وتخشى الإندماج في المجتمع ولا تقوى على مواجهة المصاعب وإما نصقل فيهم شخصية واثقة ، صلبة ، فاهمة ومستقلة !
الثقة بالنفس أعظم عنصر من عناصر نجاح الطفل(الرجل أو المرأة لاحقًا) في الحياة وتمتينها فيه يبدأ في مرحلة عمرية مبكرة بحيث ندعه يشارك في الحوار -بحسب عمره- وأن يعبر عن رأيه ( تعزيز حرية التعبير لديه) مهما يكن هذا الرأي وأن نستمع له من دون سخرية أو إنتقاص (بداية إدراك معنى الإحترام ) فلا ينشأ على الكبت والنظرة الدونية تجاه ذاته والخوف أو الخجل من الإفصاح عن أفكاره ومشاعره ، على العكس يجب تشجيعه على التعبير مع لفت إنتباهه إذا ما أخطأ كي يستدرك ذلك ( تحفيز ملكة التفكير عنده) لاحقًا فلا يحصل عنده شطط أو سوء إستعمال “الحرية” الممنوحة له للتعبير فلا تتحول إلى نوع من الوقاحة !!!
على الأهل أن يربوا أبناءهم على الشجاعة المتزنة والبطولة الواعية وليس الشراسة المفرطة ظنًّا منهم أنها رجولة !
الرجولة أخلاق حكمة ووقار وليست عضلات وجعجعة وتبجح فارغ !
على الأطفال أن يتعلموا أهمية التبصر والتفكير جيدًا قبل إتخاذ أي قرار بخاصة القرارات التي تمس مستقبلهم مباشرة والتي قد يكون لها تأثير مدمر على حياتهم بمجملها كأن يكونوا حكماء بإختيار (الشريك/الشريكة) مثلًا كيلا يقضوا حياتهم في معالجة ولملمة تداعيات خطأ إتخذ بساعة تخل …!!!
يجب تحفيز الأبناء في سن مبكرة على التزين بالمناقب الرصينة والنبيلة وأولها الصدق (الصدق قوة كالمعرفة وهو أهم وأقوى وأجمل صفة تزين الإنسان) والتحلي بالكرم ومساعدة المحتاج ، فالكرم مثل الصدق تاج على رأس صاحبه يمنحه هيبة ، وإحترامًا ويزيده محبة في القلوب وهما أجمل التيجان وأعظمها !
كما يجب ذم التبجح ، الغرور ، الأنانية ، النميمة والحسد أمام الأطفال بإعتبارها صفات منفرة وتقلل من إحترام صاحبها وتحط جدًا من قيمته وصورته في نظر المجتمع !…
يجب أن يحبب الأهل لأطفالهم في مرحلة مبكرة القراءة لفائدتها العظيمة وبخاصة المواضيع الفكرية والتاريخية والعلمية التي توسع مداركهم وتعمق ثقافتهم كما أنها تهذب عندهم الذوق الأدبي وتصقل أسلوب التحدث والتصرف مع المحيط وتجعلهم أكثر حكمة ووقارًا !…
على صعيد التخصص والدراسة فليختر الأبناء المجالات التي يميلون لها ويحبونها فيبرعوا فيها ولا يشعرون وكأنهم إختاروا تخصصا” معينًا إرضاءًا لأحد والديهم لأنهم لن يجدوا أنفسهم فيه ولن يحققوا إنجازات تذكر و لن يشعروا بالسعادة في عملهم لا بل قد يفشلون ويلقون بالملامة على الأهل إضافة لما يسببه ذلك لهم من إحباط ، إكتئاب وضياع للوقت !…
قد يقول قائل أن جيل هذا العصر واقع تحت تأثير الخواء الثقافي وقد إنجرف مع موجة العولمة التي عمت العالم من خلال وسائل التواصل الإجتماعي وما سببته من إنحلال للقيم نتيجة الضخ الهائل للمعلومات المضللة والمنفلتة و”التافهة” مما أدى الى تكوين جيل إلكتروني لين ورخو وأفقد الأهل القدرة على التوجيه والضبط بالشكل الكافي لأننا في عالم يتغير بسرعة فائقة وعدم مواكبة الأهل لذلك يفرض تحديات تربوية جدية ويؤدي الى خروج الأمور عن السيطرة ، وقد نتفق الى حد معين مع هذا الرأي ولكن الحكمة والوعي (إذا ما توفرا) عند الأهل يشكلان عنصرين بغاية الأهمية والضرورة يمكنان الأهل من السيطرة الحكيمة والمرنة على مجريات الأمور ويمكن بواسطتهما أن يصنعوا من أبنائهم نساءً ورجالًا عظماء حين يزرعون فيهم في سن مبكرة قيم المحبة ، الأخلاق ، الكرم ، الشجاعة ، الوعي ، والمثل ويحببوا اليهم الرياضة لتصبح عندهم عادة ، فكأنهم بذلك قد وهبوهم سعادة الدنيا بأسرها وأدوا قسطهم للعلا وأتموا رسالتهم وواجبهم تجاه أبناءهم وتجاه المجتمع على أكمل وجه !…
هذه العناوين والأفكار ليست موجهة فقط للأهل إنما هي برسم الأبناء أيضًا كونهم سيصبحون أباء وأمهات في المستقبل وتساعدهم على تلمس الطريق الآمن للبلوغ بأبناءهم أعلى القمم وأرقاها …

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »