الدكتور نسر حدادخاص ليبابيدياكتّاب الموقعكتاب وآراء

نسر حداد: فاجعة التعود !

 

إن مطلق إنسان حين يقع نظره على مشهد دموي أو حادث مروع أول ما ينتابه شعور من الصدمة ممزوج بألم وحزن على الضحية وهذا يعكس الطبيعة البشرية أو رد فعل الدماغ الإنساني الذي يتفاعل إزاء الأحداث التي يراها مناقضة لصيرورة الأشياء أو القانون أو التي تخدش سلامة الشعور ، وردات الفعل بمجملها عاطفية من مثل الحزن ، التأسف ، المواساة ، التعاطف ويتم التعبير عنها مباشرة بعد وقوع حادثة مؤلمة أو حرب وغالبا” ما تكون قوية في البداية وقد يمتد أثرها لأيام عديدة أحيانا” وتتلاشى بمرور الوقت ، ولكن هذه المشاعر الإنسانية المرتبطة بدماغنا المبرمج على سلوك نمطي والتي تشكل الحروب أو الحوادث الأليمة بالنسبة له خروجا” أو شذوذا” عن “القاعدة” النمطية (لا نتحدث هنا عن الموت الطبيعي كنتيجة للشيخوخة) هي ظاهرة إيجابية وصحية مثلها مثل رد فعل الجهاز المناعي في الجسم تجاه الجراثيم أو الفيروسات وهي ليست سوى تعبير عن إنسانيتنا وإنعكاس لجمال مشاعر التعاطف التي تقرب البشر من بعضهم البعض في الملمات ولكن الخطورة الكبرى حين تنقلب هذه الحرارة الى برودة وعدم مبالاة نتيجة التعود على المشاهد المأساوية المتكررة ، فما هو شاذ على النمط الإنساني التقليدي وغريب عنه والمرفوض من العقل البشري يصبح مقبولا” و أمرا” عاديا” (رتيبا”) يتأقلم معه دماغنا كحدث “طبيعي” لذلك لا يعود يثير فينا ردات الفعل أو مشاعر التعاطف الحارة وهنا الخطورة ومأساة الأخلاق الكبرى !
ما يهمنا هنا ليس برودة المشاعر كحالة مجردة وإنما مآلات هذه البرودة وتداعياتها السلبية جدا” على حياتنا أو الحياة الإنسانية عامة بحيث يصبح اللامقبول مقبولا” واللامعقول معقولا” وقد نعتاد الوضع الشاذ مما يشجع المخطئ على تكرار الخطأ والمجرم على التمادي في إرتكاب جرائمه !!!
وإذا ما أخذنا الحرب الهمجية على غزة
وما أحدثته من مشاعر غضب وتعاطف إنسانيين مقرونين بحزن وتفجع على الأطفال والناس الأبرياء الذين يقتلون بوتيرة يومية منذ ما يزيد عن الشهرين ، نرى كيف أن تكرار المشاهد الدموية هذه “برمج” دماغ المتابع على التعود عليها بحيث لم تعد تثير فيه ذات المشاعر أو فلنقل الإهتمام والمتابعة مقارنة ببداية الحرب كما أن عدد الشهداء رغم فداحته تحول إلى رقم رتيب غير ذي رهبة أو معنى ذي أبعاد خطيرة … !!!
تكرار الشيء بما فيه الجرائم على هولها يتحول الى عادة يتفاعل معها الناس بلامبالاة وهذه بحد ذاتها فاجعة إنسانية كبرى كونها إستسلاما” أمام الغطرسة وتسليما” بالعجز عن ردع القاتل ولو برفع الصوت !!!

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »