المقالة الأسبوعيةخاص ليبابيديافادي رياض سعد

“بيروت” حراكٌ ثقافيّ لا يهدأ،،،

في زمن الأزمات الكبرى التي ألمّت بلبنان، والتي تهدد مصيره ووجوده وكيانه،  ثمّة من يعتبر أن التطرّق إلى الشؤون الفكرية والأدبية أمرٌ ثانويّ، فإذا تطرقنا بالحديث عن المطبوعات الورقية بكل أشكالها، ووسائل التواصل الاجتماعي والمنصات والصحف الإلكترونية، تبدو المحادثة سطحية، إذ يقتصر الحديث عن “الصراع” أو “المنافسة” بين الصحافة الورقية والإلكترونية، وهذا ينسحب مباشرة على المفاضلة بين الكتاب الورقي والآخر الإلكتروني.

ولا شك بأن دَور الكتاب الورقي قد تراجع في السنوات الماضية في مواجهة انتشار جائحة الكتاب الإلكتروني إلا إن المخاوف من موت الكتاب الورقي تراجعت مع صموده في وجه الكتاب الإلكتروني، وحصل نوع من التعايش بين الاثنين ولم يستطع الإلكتروني أن يحتويه بل جاء مكملاً له.

ودُور النشر في لبنان تدفع ثمن الأزمة الاقتصادية أثمانًا مضاعفة ويواجه أصحابها مصاعب حقيقية، أخطرها  مواجهة  زحف تكنولوجيا الاتصالات، إضافة إلى الانكفاء العربي عموماً عن القراءة الحقيقية،  ومما لا شك فيه أيضاً أن السوق اللبناني قد تراجع بعدما شهد إقفال عدد من دور النشر نتيجة عدة عوامل تضافرت جميعها لتخنق هذه الرئة الحية والضرورية،  فقد كانت دور النشر تطبع في بيروت بمعدل كتاب يومياً، أما اليوم تطبع بين كتاب أو كتابين شهرياً، ورغم كل شيء تبقى بيروت الأفضل بين معظم العواصم العربية.

وسط أسوأ نكبة يواجهها لبنان، والأحوال الأليمة التي يمر بها فهو مستمرّ، صامد وثابت، في مواجهة التحديات، وفي حماية تاريخه العظيم وصناعة مستقبله. وما زالت بيروت تحتضن إلى اليومِ حراكًا ثقافيًا لا يهدأُ، ومن يراقب حركة معارض الكتب في لبنان وعواصم العالم العربي يتأكد له أن “الكتاب الورقي بخير”،  فما إن ينتهي معرض، حتى يتبعه معرض آخر.

في هذا السياق  يأتي إطلاق معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، “من بيروت، عاصمة الإعلام العربي لعام “2023، جوابًا جيّد التوقيت ليؤكّد وببساطة  أن هذا الشعب لا يموت، والكتاب اللبناني بألف خير، والكاتب والشاعر والأديب لم ييأسوا ولم يصبهم الإحباط، ودور النشر ناشطة، وأصحابها لا يفوتهم معرض للكتاب محليًا أو عربيًا إلا ويتواجدون فيه، وهذا هو التحدي الذي يُحسب للقائمين على هذه النشاطات الثقافية والفكرية بمسؤولية مهنية ووطنية، إذ قرروا خوض معركة ثقافية يريدون منها أن يثبتوا بأنهم قادرون على العطاء والتميز ومواجهة كل التحديات.

استهلّ المعرض فاعلياته بسلسلة من الندوات والنشاطات الثقافية وتواقيع الكتب ، بحضور حشد من الشخصيات السياسية  والثقافية وأهل الإعلام، وجمهور حاشد من القرّاء وعشّاق الكتاب، الأمر الذي يؤكّد أن بيروت كانت وستبقى عاصمة للثقافة ومنارة للعلم ومقرًّا للحرية ووجها للاعلام العربي.

هذا الواقع يؤكّد لنا أمرين،

الأول: إن بيروت هي رئة العالم العربي التي يتنفس منها.

والثاني: إن القارئ العربي ما زال يعتبر بأن بيروت هي عاصمة الكتاب والنشر نظراً لتاريخها العريق. وإذا أراد أن يحصل على أي كتاب غير متوفّر في أي عاصمة عربية، يتوجه نحو بيروت، فهي ملجأ الحريات والنشر والكتاب.

هذا الحراك الثقافي والفكري الدائم والمستمر،  يعيد الاعتبار للكتاب الورقي ويعزّز دوره، ويحفّز الناس على القراءة، ويخلق بيئة تهتم بالثقافة والمطالعة.

وطالما أننا نقرأ،،، فالكتاب بخير، ولبنان بألف خير.

فادي رياض سعد

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »