المقالة الأسبوعيةخاص ليبابيديافادي رياض سعد

ماذا لو قلنا؟… وبادرنا…

مؤسف للغاية ما نراه  عند المتذمّرين والحانقين، وما نسمعه من الغاضبين الذين يستخدمون مصطلح “هالبلد ما بيسوى” في كل تعبير يصدر منهم عن عدم الرضا. والمؤلم أكثر ان هذه الفئة هي من الشباب التي ينتشر بينها هذا الشعور.. والأكثر إيلاماً أنهم لا يبذلون جهدا للاصلاح والتطوير او حتى مجرد السعي … بل  يكتفون بالتذمّر والشكوى ولعن الساعة التي يبقون فيها في هذا البلد، مستندين إلى جمال الحياة في دول اخرى، حيث تطبيق القانون والالتزام به في كل جوانب الحياة، والتلهي بالمقارنة بين هنا وهناك…

قد يلومني البعض على كلامي!… إذ يعتبرونه قاسياً على أشخاص يَبكون لبنان ويَنعون منارته العلمية والفكرية والأدبية، ويتباكون مستجدين المساعدات والهبات،،، ليس المقصود من كلامي الأشخاص،،، بل كلامهم، الذي يصور لبنان مشوَّهًا مريضًا يستدعي الشفقة والإِحسان، ولو اقتصر  أَمر كلامهم على داخل المجتمع اللبناني، لكان الأذى أَقلَّ بكثير، لكنه توزَّع على العالم صحافيًّا وإِعلاميًّا وعبر وسائط التواصل لِيَسْتَهْوِلَ العالَـمُ ما يَجري في لبنان بشهادة شاهدٍ من أَهله.

إذا ما تمعّنا في هذا الأمر لعلمنا أننا نجلد أنفسنا، ولو تأمَّلنا ذواتنا لوجدنا أنَّنا أعداء أنفسنا، وأنّ لا أحد يسيء لوطننا بقدر ما نفعل نحن .. فالوطن  يحتاج إلى مقاومة ثقافية، وجمهور مثقف، وعقول نقية تجعله وطناً حقيقياً…

لذلك فإننا مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالعمل على إظهار صورة  لبنان الحقيقية، لا سيما أننا كشعب معنيون بانتشال لبنان من وسط ركام الانهيار الذي يعاني منه.

فإِن صورة لبنان الحقيقيةَ في العالم ليست كما تظهرها بعض المنصات الإعلامية،  بل هي ما يَشهد إِكبارًا له العالم كله من روائع الإِبداع اللبناني بصوت السيدة فيروز، وأَعمال الأخوين رحباني ومسرح كركلَّا العالمي والكوكبةٍ الساطعة من المبدعين اللبنانيين وغيرهم…  الذين يشكِّلون لبنان الحقيقي، وبالإنجازات التي يسجِّلها شعبُه الخلاق يوميًا، المكافح بعزَّة وكرامة، وليس لبنان ذاك الذي جعلَه حُكَّامه باكيًا مُشرَّدًا شحّادًا على أَرصفة الدُوَل…

لبنان يرفض أَن يُذَلَّ في عيون العالم وأَن يُشْفقَ عليه العالم بعدما كان معجبًا بالعبقرية اللبنانية المتفرِّدة، لن يسقط، بل سينهض وينفض عنه غبار الألم واليأس ليبقى وطنًا للحرية والتنوع والإبداع ومركزًا للتلاقي والإشعاع الحضاري”.

ماذا كان ليحصل… لو قلنا إِن معظم القادة العرب هم من خرِّيجي الجامعة الأَميركية في بيروت في الأَربعينات والخمسينات.؟
وإِن بيروت شهِدَت أَول مدرسة حقوق في الشرق، وإِن جامعات لبنان الكبرى تُخَرِّجُ أَجيالًا يتلقَّفها العالم لعبقرية صبايانا وشباننا الذين يُبدعون أَينما يحلُّون ويعتزُّون بأَنهم خرِّيجو كبرى جامعات لبنان.؟… بدلاً من أن نتذمّر..

وماذا لو اننا خصصنا جملتين من كلامنا لنُخبر عن بيروت، أم الشرائع وأول عاصمة للكتاب، وعن دورها وأهميتها  للكتَّاب والرسامين والمفكِّرين والشعراء العرب، الذين  كانت لهم  بيروت وما زالت  منصةَ انطلاق لنتاجهم الأَدبي والفني والفكري.؟…  بدلاً من أن ننعي منارة لبنان…

وماذا لو قلنا إِن القرآن الكريم يُطبَع بملايين النُسَخ سنويًا في بلدة درعون حريصا، على بُعد أَمتار من تمثال سيِّدة لبنان شفيعة اللبنانيين ومَن يقصِدها من الضيوف العرب. وأن لبنان شهد أول مطبعة في الشرق. وأن الحركة الثقافية لا تهدأ في لبنان، ناشطةٌ بمعارض الكتب واللوحات، وبالندوات الفكرية والفنية، وبأُمسيات موسيقية، وبأَنشطة تشكِّل مقاومةً ثقافية بجمهور مثقف.؟…

ماذا لو قلنا كل هذا؟… وبادرنا إلى تجارب تسعى لخير الوطن…

لكان لبنان بحال أفضل بكثير مما نحن عليه، وكانت لتظهر صورته البهية، منارة العلم، والتنوع الفكري، لا ليعرفَه الأخرون وحسب، إِنما ليَنتشِرَ إسم لبنان الحقيقي وليعرفَ العالم ما لم يكُن يعرفُه عن لبنان وفرادته.

فادي رياض سعد

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »