كتاب وآراء

لودريان المتكلّم لا المستمع: الفرصة الأخيرة لانتخاب رئيس لم يطرح الحوار لانه غير مرغوب لبنانياً… وأعطى مُهلة شهرا

المصدر: “صحيفة الديار – كمال ذبيان”

في زيارته الثانية الى لبنان، لم يكن الموفد الرئاسي الفرنسي جان ـ ايف لودريان مستمعاً، بل كان مطالباً الكتل النيابية، التي حصر لقاءاته بها فقط، ولم يلتق حتى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، ان تسرع في انتخاب رئيس للجمهورية، وهو ما اجمع عليه اعضاء «اللجنة الخماسية» في اجتماعهم الثاني بالدوحة، حيث حمّلوا لودريان مطلباً واحداً هو انهاء العملية الدستورية في مهلة قصيرة جداً، لا تتعدى شهر ايلول المقبل.

هذا ما ابلغه الموفد الفرنسي الى من التقاهم من رؤساء كتل نيابية ونواب، بان يمارسوا حقهم الدستوري، وهو الكلام الذي نقله الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي بدأ لقاءاته به واجتمع به مرتين، حيث دعاه الى ان يسرّع في الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية، والا يكتفي بالدورة الاولى، بل ان تستمر الجلسات حتى حصول الانتخاب وفق ما ينص عليه الدستور لجهة النصاب الدستوري للجلسة الاولى، والنصف زائداً واحداً لمن سيفوز في رئاسة الجمهورية.

هذه الاجواء خرج بها من التقوا لودريان، الذي شدد على انها قد تكون الفرصة الاخيرة للبنان لينهي الشغور الرئاسي، وهو ما اكد عليه ممثلو الدول المكوّنة «للجنة الخماسية»، وهي اميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، اذ اعطى لودريان مهلة شهر للنواب اللبنانيين ليفكروا في ما طرحه عليهم، وفق ما ينقل اكثر من نائب شارك في لقاءات الموفد الفرنسي، الذي كان حازماً هذه المرة، بان «لا تمييع ابداً في انتخاب رئيس للجمهورية».

فلم يطرح لودريان فكرة الحوار، لان اطرافاً لبنانية ترفضه لاسباب تتعلق بقراءتها للفريق الذي طرح الحوار وهو «الثنائي الشيعي»، حيث يعطي كل طرف تفسيره للدعوة للحوار، الذي استبعده لودريان من مفكرته، وشدد على التشاور او تبادل وجهات النظر، ومحاولة التقريب بين الاطراف اللبنانية، في الالتقاء على مواصفات رئيس الجمهورية وبرنامجه، وهذا ما شدد عليه لودريان في لقاءاته، مبتعداً عن طرح اسماء، حيث تنقل مصادر نيابية عنه انه لا يريد ان يدخل في هواجس كل طرف، وقد تكون محقة، لكن الاستحقاق الرئاسي يجب ان يحصل.

وفرنسا المصرّة على متابعة مبادرتها في لبنان لانجاز انتخاب رئيس للجمهورية، لها معرفة تامة باوضاع لبنان، الذي انشأته قبل اكثر من قرن بقليل من اول ايلول 1920، ثم وضعت دستوراً له في العام 1926 استنسخته عن جمهوريتها الاولى، اضافة الى ان لودريان ذكّر من التقاهم، بان بلاده مهتمة بلبنان اكثر منذ ثلاث سنوات بعد الانفجار الذي حصل في 4 آب 2020، وحضر الرئيس مانويل ماكرون شخصياً للوقوف الى جانب اللبنانيين، ثم عاد في الذكرى المئوية لولادة «دولة لبنان الكبير»، وشارك في الاحتفال واستغل مناسبة وجوده وجمع رؤساء كتل نيابية في قصر الصنوبر، وحثهم على اجراء اصلاحات كان الشارع يطالب بها، في التحرك الشعبي الذي ظهر في 17 تشرين الاول 2019، ولم تكن ولاية الرئيس ميشال عون قد انتهت.

مما يعني ان الازمة في لبنان ليست رئاسة الجمهورية فقط، وهو ما اكد عليه رئيس «تكتل التوافق الوطني» النائب فيصل كرامي للموفد الفرنسي ،الذي نقل اليه تأييده لانتخاب رئيس الجمهورية، لكن هذا الاستحقاق وحده لا يكفي، بل لا بدّ من البحث في حل لسلة متكاملة تبدأ برئاسة الجمهورية، ثم رئاسة الحكومة والحكومة التي تضع هي البيان الوزاري، لان السلطة التنفيذية منوطة بمجلس الوزراء في الدستور، الذي تعدلت مواد فيه بعد اتفاق الطائف. وهنا يشير المستشار الاعلامي لكرامي علاء جليلاتي لـ «الديار» انه من الضروري البحث في مواصفات رئيس الجمهورية، وكل طرف ينظر اليها من موقعه السياسي، وما يطمئنه في شخص الرئيس، الذي تكون لديه توجهات لعهد ولكن ليس برنامجاً، لان النظام في لبنان برلماني (نيابي) وفق الدستور، والذي ينتخب رئيس الجمهورية ويسمي رئيس الحكومة باكثرية نيابية، ويمنح الحكومة الصفة على بيانها الوزاري، مع دور لرئيس الجمهورية اعطاه ابان الدستور لجهة التوقيع على مراسيم تشكيل الحكومة.

من هنا، فان لودريان المتكلم هذه المرة وليس المستمع، حذر اكثر من مرة النواب من ان لبنان على مفترق طرق ، وهو يمر بمرحلة خطرة اذا لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما سمعه من بري ومن غالبية من التقاهم عن خطورة الوضع، لذلك شدد على ضرورة حصول الاستحقاق الرئاسي اولاً، ثم يبدأ البحث في الآليات الدستورية الاخرى، لان وجود رئيس للجمهورية يعيد انتظام عمل المؤسسات الدستورية.

ad
فمهلة الشهر التي اعطاها لودريان للنواب اللبنانيين، هي مهلة حث لانتخاب رئيس للجمهورية، فاذا لم يصلوا الى تحقيق هذا الهدف، فان الموفد الرئاسي ما زال عند موقفه الذي أعلنه قبل حوالى عامين او اكثر، بان «لبنان الى زوال»، وهذا تحذير وافقه عليه اعضاء «اللجنة الخماسية»، الذين رموا الكرة في ملعب مجلس النواب ليقوم بواجبه، وتقع على رئيسه مهمة ابقاء الجلسات مفتوحة، ما دام هو في حالة انعقاد دائم، وهذا ما ابلغته «كتل نيابية مسيحية» لا سيما «القوات اللبنانية» و»الكتائب»، بان الازمة ليست في الحوار او التشاور، بل في دور بري التعطيلي لانتخاب رئيس للجمهورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »