إعلامكتاب وآراء

في اليوم العالمي للحوار: إعلام الحوار وبناء التّلاقيات

دكتوراه في علوم الإعلام والاتّصال

يطرح موضوع الحوار في يومه العالميّ، الكثير من التّحدّيات خصوصاً في المجتمعات التّعدّديّة، فيفرض الواقع الإعلامي التّنبّه لأهميّة الالتقاء مع الآخر بايجاد مساحة إيجابيّة مشتركة للتّفاعل معه وذلك بتوفير الوسائط الفكريّة الملائمة، انطلاقاً من معرفة النّمطيّة السّلوكيّة الثّقافيّة للمجتمعات التّفاعليّة لضبط عمليات التّواصل بعيداً من خطاب الكراهية ومحاولة تهميش الآخر، وباحترام خصوصيّة الاختلاف وبناء جسور مشتركة من أجل العيش بسلام عادل خارج إطار الأنانيّة الإثنيّة أو العرقيّة أو الدّينيّة.

في لبنان، غالباً ما يُطرح “الحوار” كحلٍّ للتّخفيف من حدّة الاحتقان السّياسيّ وللخروج من المآزق الدّستوريّة أو للتّخفيف من تداعيات الصّراع على السّلطة. من هنا تظهر الحاجة إلى تعزيز خطاب “إعلام التّلاقي” الّذي يقوم على:
-ضرورة تجاوز حاجز الخوف من الآخر بالتّعرّف عليه ومحاولة فهم مطالبه.
-تعزيز فكرة الحقّ بالتّنوّع والتمايز كتعبير عن تعدّديّة مفيدة.
-التّركيز على أهميّة التّفاهم بين الحضارات بفوارقها والجماعات بجوامعها الّتي تُحتّمها وحدة المصير.
-تفعيل روح الإلفة وإظهار أهميّتها في تأمين الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
-إبراز أهميّة إيجاد مساحة آمنة للتّلاقي تسمح للفئات المتناحرة أن تجد حلولاً لمشاكلها الوجوديّة الّتي تضمن حقوق الجميع وتردم التّصدّعات المجتمعيّة الّتي تراكمت في خضمّ الصّراعات والأزمات المتتالية الّتي جعلت لبنان عُرضة للاهتزاز عند كلّ استحقاقٍ دستوريّ.
ولأنّ للإعلام دور محوريّ في تعزيز ثقافة الحوار الإيجابيّ البنّاء، فإنّه من المفيد التّنويه بأهميّة أن يقوم بدور التّلاقي وذلك بتشجيع النّاس على أخذ المبادرة بالانفتاح على الآخر، واحترام الإختلاف والتأسيس لتفاهمات بين المكوّنات المجتمعيّة ذات الانتماءات المتعدّدة فيكون ساحة تلاقٍ ومنتدى مفتوحاً للتّفكير معاً أفقيًّا على مستوى الشّعب وعموديًّا على مستوى السّلطة والشّعب.
إنّ أبرز التّحدّيات الّتي يُمكن أن تواجه “إعلام التّلاقي” هذا في مجتمع تعدّديّ هي:
-احترام خصوصيّات وقيم الآخرين بتحديدٍ لموضوعيّة المفاهيم وحصر المصطلحات والتّأكيد على اعتبار أنّ الحوار واجب أخلاقيّ ورسالة إنسانيّة فتكون المنابر الإعلاميّة خير وسيلة لتبادل المعارف والتّحاور والتّعارف لتعزيز التّفاعل الفكريّ في سبيل نهضة الوطن حيث تطغى المصلحة العامّة على المصلحة الفرديّة، وذلك بحسب المفهوم الإغريقيّ الأصليّ للحوار عند أفلاطون وأرسطو بأنّه تلاقي الآراء في سبيل اكتشاف حقيقة ما انطلاقاً من مبدأ حسن النّيّة والتّلاقي الّذي كُرّس نهائيًّا في مقدّمة الدّستور الّلبنانيّ: “لبنان وطن نهائيّ لجميع أبنائه”.
-توفير مناخات للتّواصل والتّعبير من خلال التّركيز على الحقّ بالتّنوّع ومعالجة القضايا الاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة لتوفير العدل بعيداً من الأنانيّة الإثنيّة أو العرقيّة أو الحزبيّة في سبيل بناء السّلام.
-وضع استراتيجيّة إعلاميّة تحدّد نقاط التّلاقي ومفاصل الفراق المسموح به ضمن إطار التزام الإعلام بالمسؤوليّة الوطنيّة الّتي تركّز على مبادرات التّلاقي بين الأديان والثّقافات والحضارات وذلك من خلال بناء جسور تلاقي من أجل المصلحة الوطنيّة.
-الرّهانات على دور الإعلام في مواجهة تحدّيات نسبيّة القيم وتعدّديّة الانتماءات وصعوبة التّواصل بين سطوة المرجعيّات الدّينيّة والسّياسيّة وذلك بالتّأكيد على عدم قدرة أحد على إلغاء الآخر وذلك باستحضار الذّاكرة الجماعيّة الّتي تضمن الخصوصيّات وتلغي مظاهر الانقسام في سلوكيّاتنا الذّهنيّة والتّعبيريّة الحياتيّة والتّركيز على إيجابيّات المجتمع التّعدّدي مهما كانت صغيرة والتّشجيع على ملاقاة الآخر بإشراك الجميع في صناعة القرار للارتقاء بالوطن إلى مستوى دولة القانون انطلاقاً من مفهوم الشّراكة الّذي توفّره الدّيمقراطيّة، أساس الحوار الّذي يؤسّس للسّلم العالميّ.
-التّوافق على توحيد المفاهيم والمصطلحات انطلاقاً من تحديد مفهوم الحوار كتبادل صادق وحرّ للأفكار والآراء البعيدة من التأويل والغموض لتوفير فرصٍ للمشاركة في ترسيخ ثقافة الديموقراطية الّتي تكفل التّواصل بين مكوّنات المجتمع وبناء المعارضة الواعية الّتي تتكامل بالدّور مع السّلطة الحاكمة.
إن كان الحوار بين القوى المتنازعة على السّلطة غالباً ما يقود إلى اتّفاق للوصول إلى حلّ لمشكلة ما أو معالجة لقضيّة شائعة يبقى مفهوم “إعلام التّلاقي” العامل الأساسي لحلّ الأزمات قبل تراكمها في ذاكرة الحروب وارتداداتها الدّمويّة على الشّعوب المغلوب على أمرها.
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »