كتاب وآراء

د.هشام الأعور – “وباء الحرية” يجتاح شاطئ صيدا.. فهل يلتزم اللبناني؟

الاصلاح السياسي والحريات

 

هل يحتاج لبنان الى مرشد “البيكيني” لكي يستقيم وتجري فيه الامور بشكل متوازن ، وفق ما تقتضيه جهالة احدهم يقدم نفسه مرجعا في الاجتهاد والفتوى؟  هل انتهى الإنسان في لبنان  إلى إقناع نفسه بأن القمع والمنع منجاة؟ هل اصبح الاستمتاع بأشعة الشمس وارتياد الشاطئ والسباحة  في مدينة صيدا من المحرمات في بلد التنوع والحريات؟

ان ما يحتاجه لبنان الذي يزداد تخلفا هو تقليل التوتر بين فدرالياته الطوائفية، لا زيادة المتاريس والمتمترسين والمعارك التي لم تشتعل مرة الا بسبب نزوع تدميري يحقق مصالح مرجعيات من هنا اوهناك . ما يحتاجه لبنان هو السلام لكي يتفكر اهله بالسبل الناجعة والكفيلة بتخليصه من امراضه الطائفية وجائحاته الفتنوية وكل ما ينغّص عيش ابنائه.

البديل المطروح  هو أن تنسى لبنان القديم ، وأن تلتزم الصمت الهرمسي، بكل ما له علاقة بالحرية. الصمت من ذهب. الإنسان اللبناني مطلوب منه أن ينجح في إمتحان الجهالة. وعليه، فإن موت النفس والعقل والحرية، أقل بكثير من موت الجسد. التفكير لم يعد مجديا في بلد الرأي الواحد، التفكير السياسي، خطر جداً. لذلك، لا بد من التعلق بخرافة العصور الوسطى. هناك عالم يجب إلغاؤه كلياً. وهناك بديل قاهر، تعويضاً عن الحرية والحق والحقوق والتعبير.

أتقن البعض في لبنان لغة المسخ. إنها لغة تتناسب مع المسوخ الإنسانية. المهم أن نفهم أن هؤلاء يقيمون في سيرك على شكل دولة. نضع الخرائط العالمية في موازاة الخريطة اللبنانية. يرى فيها اللبناني، أنظمة مستقرة ودساتير مقدسة وقوانين متطورة وبرلمانات حقيقية ومعارضة وصحفاً حرة وإذاعات حرة ونقابات حرة وقضاء محترماً وحقوقاً مصونة ومناهج واختراعات وشوارع نظيفة وشرطة مهذبة وتماثيل متعانقة.ثم يقف اللبناني ينظر إلى واقعه المأساوي، لا يحتاج إلى مخيلة أو ذكاء. فقط، عليه أن يصدق أمام نفسه، بعدما كذب عليها جيلاً، خوفاً على رغيف أو وظيفة أو مرتبة او قارورة غاز او سلة غذائية. يقف أمام خريطة بلاده ومدنها: صراصير في الصيف، وحولٌ في الشتاء، جوع، قهر، ظلم،اقصاء،تهميش، أزقة مظلمة، متسولين على الطرقات، كلاب شاردة، مياه مقطوعة، كهرباء معتمة، قمامة من النوافذ، تبوُل على الجدران، وكذب بعده كذب، زحام خلف زحام، تخوين متبادل، قضاء مخطوف ومسيس، وفق جدول الأوامر،ازدهار الفساد. وبعد هذا الطواف، لن تجد إنساناً حراً. ومن لا يصدق هذا الوصف، فليزر سجن رومية، إنه مكتظ بالأبرياء. جريمتهم أنهم قالوا قولاً صحيحاً ، او صرخوا: ” نريد أن نعيش”. وهذا ما يرعب قصور وسفارات.

نسأل متى ننهض من هذه المحنة؟ نقترب من السؤال الخطير؟ لماذا هذه السلطات الفجة تخشى من الحرية؟

الجواب واضح . الحرية ألد أعداء  “الظلاميين”. الكانتونات ، مسيجة بالممنوع. وظّفت الآيات والإجتهادات لصالح أمر بليغ الخطورة: الطاعة. إذاً، أنت إنسان مطيع، فأنت لبناني بالتمام والكمال. الحرية وباء سياسي، وهذا الوباء الذي يشفي البشرية من العبودية والقهر والظلم، هو “وباء الحرية” الذي من دونه لن يسقط نظام، ولن يُعزل رئيس أو زعيم أو وزير او نائب او مرتكب بإسم الدين.  قوة هؤلاء  في إعدام الحرية، والتجسس عليها، وملاحقتها، وإعدامها. البديل عن الحرية، طوفان من التدجيل والكذب . الحرية، من دونها، لن يتحرر مجتمعنا اللبناني، ولن تتحرر الأرض، ولن يسقط نظامنا السياسي الفاسد. من دون حرية لا حق ولا عدالة. لن تكون الديمقراطية صادقة بالمرة. كل ما تسميه تدجيل.  يُفسّرون الحلال والحرام  على طريقتهم. فتاويهم”حكمة مزيفة” لن يُستعاد معها حق ولن تشبع جائع أو تنصف مظلوم أو تعاقب ظالم.

الولايات اللبنانية غير المتحدة نموذجٌ فذٌ لعدم محاسبة المرتكبين. حكام لبنان نصف آلهة على الارض  يصلحون للإقامة في متاحف الشمع! ولكن متى ننفض أفواهنا من سمومهم. وجلودنا من ثيابهم. وآذاننا من اوامرهم، وعيوننا من كراسيهم. ما ينقصنا في هذه الكانتونات ، هو الوطن. نعم الوطن الحر بشعب حر. كنت أظن أن فلسطين وحدها محتلة. كم كنت ساذجا. لبنان كله محتل. ما أبدع أن نكون مقاومين لهذا الإحتلال. وعلينا أن تتمسك بلبنان التنوع والحريات ، ولا نعوَّل على الخرافات والمعتقدات والملل والنِحل والغرب والشرق.. وأن نقتلع  هؤلاء المتسلطين الأشد خطراً على كرامة الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »