كتاب وآراء

جورج أبو صعب: هل يشهد الشرق الأوسط مواجهة بين واشنطن وبكين؟

في خضم التطورات الدولية والإقليمية المتداخلة والمتشابكة والممتدة من أوكرانيا مروراً بالشرق الأوسط ووصولاً إلى تايوان، ترتسم معالم مواجهة أميركية صينية مقبلة لا تحد من تفاعلاتها زيارة بين الأميركي والصيني من هنا أو قمة صينية أميركية أو تبادل زيارات وفود. وذلك لأن واشنطن وبكل بساطة قررت منع الصين من تنامي دورها في المسرح العالمي بحيث أن الصين التي تريد التوسع اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً في العالم تواجه خصما أميركياً لا يريد أن يكون لها أي دور يؤدي إلى تعاظم شأنها، وبالتالي تهديد أحادية واشنطن على الساحة الدولية.

في هذا الصراع تمثل منطقة الشرق الأوسط على الخريطة الجيو سياسية المسرح المفضل لاحتضان التصادم بين الدولتين المتنافستين. تماماً كما لعبت هذه المنطقة دوراً كبيراً وتاريخياً أثناء الحرب الباردة من العام 1947 الى العام 1990 نظراً لحاجة الدولتين المتصارعتين إلى هذه المنطقة في إدارة الصراع بينهما.

 

فبكين تعتمد على واردات الطاقة من الشرق الأوسط لتغذية اقتصادها وترسانتها العسكرية، فمن دون بترول الشرق الأوسط لا تفوّق صينياً اقتصادياً ولا عسكرياً. وواشنطن تدرك هذه الحاجة الصينية الى الشرق الأوسط وتسعى لحرمان الصين من إمدادات الطاقة عند اندلاع الصراع.

هذا التخطيط الأميركي الذي كان زهاء عقود سرياً، لم يعد كذلك اليوم وبات المسؤولون الأميركيون يعلنون جهاراً خطة صد الصين في الشرق الأوسط وعن أهمية الشرق الأوسط ومجاريه المائية للتوصل الى خنق الصين المعتمد اقتصادها بشكل أساسي على النفط الوارد من المنطقة في حال اندلاع الصراع.

الخطير بالموضوع أن يكون الشرق الأوسط ساحة هذا الصراع التدميري بين القوتين المتبارزتين.

قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا قالها بوضوح أثناء جلسة استماع برلمانية في مجلس النواب في واشنطن في 24 آذار الماضي خلال مناقشة الموقف العسكري الأميركي وتحديات الأمن القومي أي الشرق الأوسط وأفريقيا.

وأوضح الجنرال كوريلا أنه في حالة حدوث صراع بين واشنطن وبكين يمكن للقيادة المركزية توجيه القوات العسكرية الأميركية لقطع تدفق شحنات الطاقة الآتية من المنطقة إلى الصين، وبالتالي حرمانها من الطاقة اللازمة لإنتاجها الاقتصادي والعسكري على السواء.

كما قال إنه إذا اندلع الصراع سيكون بإمكان الجيش الأميركي التحكم بقسم كبير من اقتصاد الصين وتعريضه للخطر من خلال منطقة القيادة المركزية.

والمعلوم أن مقر الأسطول الخامس حيث القوات الأميركية هو في مملكة البحرين مع فروع عدة لجيش مكتمل التجهيزات والقدرات.

والمعلوم أيضاً أن واشنطن لا تتعاطى مع الملف الصيني باستخفاف لأن الأولوية لدى البيت الأبيض تبقى محاربة الصين لمنعها من تنامي أدوارها وتأثيرها ونفوذها في المنطقة على حساب الولايات المتحدة.

عدد كبير من دول المنطقة متحالف بشكل وثيق مع الأميركيين، وكثر من هذه الدول يعتمد على المساعدات الأميركية، وعدد منها يستضيف قواعد عسكرية أميركية على أراضيه. وأكثر من 30 ألف جندي في هذه المنطقة يرابطون وبالتالي بإمكان البنتاغون في أية لحظة أن ينشر قوات أميركية بمساعدة الحلفاء كما يذكر الجنرال كوريلا.

الصين من جهتها على إدراك تام بما تفكر فيه الولايات المتحدة منذ زمن بعيد وبغض النظر عن إفادة قائد المنطقة الوسطى. لذا عمدت بكين منذ سنوات طويلة إلى بناء مضيق ملقة strait of malacca حيث تمر منه معظم واردات الصين من الطاقة الى الصين ومعظم صادراتها الى العالم فيما الأميركيون يسيطرون على هذا المضيق، الأمر الذي يشد اكثر الخناق الأميركي على الصين، وشل وارداتها وصادراتها، ويمكّن واشنطن من شل واردات الصين سواء في مضيق هرمز أو ملقة.

بكين تبحث منذ العام 2013 عن طرق بديلة تمر منها واردات الطاقة الآتية من الخارج بعيداً عن سيطرة الأميركيين البحرية. هذا الهدف هو أهم أهداف مشروع طريق الحزام والطريق أو طريق الحرير لربط الأماكن الحيوية للصين بطرق تجارية هو تأمين مرور الطاقة والمواد الخام من مناطق مختلفة كمنطقة الشرق الأوسط، وبعيداً من المسارات البحرية التي تتحكم بها القوات الأميركية.

 

لذلك تسعى بكين لتعميق علاقاتها مع الدول غير الحليفة للولايات المتحدة وفي مقدمتها روسيا وإيران وهما بلدان معاديان لواشنطن تسعى بكين للتعامل معهما لتأمين ما يلزمها من تدفقات الطاقة والموارد من دون المرور بمناطق تحكم القوات الأميركية.

الصين تسعى أيضاً لتوليد الطاقات البديلة وأصبحت أكثر دول العالم تطوراً في إنتاج الطاقة الخضراء أو الطاقة النظيفة لعدم الحاجة الى أنواع طاقة أخرى تخضع مناطقها للسيطرة الأميركية. كما تريد تقوية علاقاتها بالشرق الأوسط لإبعادها عن نفوذ الولايات المتحدة ما سيترجم حضوراً صينياً كبيراً في المنطقة في السنوات القليلة المقبلة.

والصين حالياً تشبه كلا من اليابان وألمانيا عشية الحرب العالمية الثانية، إذ كانتا دولاً صناعية تحتاجان لكميات هائلة من الطاقة التي لم تكن تكفي أسواقها المحلية وبالتالي تضطر لتوريد الطاقة من العدو الأميركي آنذاك الذي كان يفرض عليهما حصاراً عسكرياً خانقاً.

فالطاقة التي كانت تأتيهما من خارج حدودهما كانت تحت رحمة الأميركيين والبريطانيين وهذا كان من اهم أسباب الحرب العالمية الثانية خاصة مع رغبة ادولف هتلر آنذاك بتأميم مصادر الطاقة الموجودة في الاتحاد السوفياتي ما أدى الى شنه الحرب على الاتحاد السوفياتي للسيطرة على مصادر الطاقة لديه.

واليابان بضربها بيرل هاربور كانت تنزل بالأميركيين عقاباً لحرمانها من النفط الأميركي وكانت واشنطن تنتج ثلثي إنتاج العالم من النفط.

الصين في موقف مشابه ولذلك تحركاتها تنصب على تأمين كميات كبيرة من النفط ومصادره خارج حدودها.

الولايات المتحدة إذاً في إعادة نظر في أولوياتها الدولية بدأ من العودة الى الصراع مع الصين لا سيما أن الإدارة الأميركية منذ عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما تراجعت في منطقة الشرق الأوسط للتركيز على آسيا وفق خطة pivot to Asia وخلاصتها توجيه واشنطن لكل قدراتها وطاقاتها لمواجهة الصين وروسيا في منطقة آسيا والتخفيف من التزاماتها في منطقة الشرق الأوسط.

لكن يبدو أن هذه السياسة الأميركية وبعد تعاقب 3 رؤساء عليها من أوباما إلى الرئيس السابق دونالد ترمب إلى الرئيس الحالي جو بايدن كشفت للأميركيين عن عورات كبيرة مع ادراك الأميركيين أن الحفاظ على مصالحهم في المنطقة يمر بمزيد من الاكتراث والتركيز والتنبه لما يحصل في الشرق الأوسط وكيفية ضمان مصالحهم فيه.

من هنا عادت واشنطن الى التورط في الشرق الأوسط لكن تغير هذه الاستراتيجية ما دونه عقبات تواجهها حالياً، خصوصاً أن الأميركيين لم يحسنوا الحفاظ على حلفائهم الإقليميين كما لم يحسنوا الاحتفاظ بالنفس السياسي الذي كانوا عليه تجاه المنطقة أيام ما كانت النفحة الإمبراطورية تعصف بالولايات المتحدة كشرطي العالم والمتحكمة بكافة مفاصل الشعوب والأمم.

المنطقة تعيش فصلاً جديداً من تاريخها الدامي والمضطرب في ظل حرب كبيرة بين القوى الكبرى، والصين أمامها خيارات عدة في المنطقة وقد حضرت في السنوات الأخيرة، ولم تركز في السابق على حضورها الإقليمي الى أن أيقنت أن الخطر الأميركي بدأ يدق أبوابها الآسيوية في بحر الصين الجنوبي عندها بدأت حملة ما سمّته السير نحو الغرب march west china أي منطقة الشرق الأوسط.

واشنطن إزاء هذا التقدم الصيني نحو الشرق الأوسط باتت تريد بدورها العودة، وشرعت فعلاً سواء في الخليج أو العراق أو سوريا أو حتى اليمن.

ومع هذه العودة عادت محاولات واشنطن للتجاذب مع الصينيين استعداداً للمواجهة التي ستدور رحاها في الشرق الأوسط ما ينذر بمرحلة توترات مقبلة في المنطقة ستلي فترة من الهدوء لن يكتب لها النجاح الكبير.

واشنطن قررت مواجهة بكين في الشرق الأوسط، والأمر لن يتحقق غداً لكن من الآن وحتى ذلك الحين أو تلك الساعة سيتصاعد التوتر وتتصاعد معه نذر حرب مدمرة على المنطقة يعمل السعوديون منذ الآن على إبعادها من الشرق الأوسط.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »