الدكتور نسر حدادخاص ليبابيدياكتّاب الموقعكتاب وآراء

د. نسر حداد: المتاهة اللبنانية !

المتاهة اللبنانية !

من أقسى ما يواجهه المرء في حياته هو رؤيته لبلده الذي رسمه في مخيلته وطنًا راقيًا وحضاريًا ينهار أمام عينيه قيمًا وفعلًا حضاريًا وعدلًا وإقتصادًا ولا يستطيع فعل شيء لوقف هذا الانهيار …!
وما يضاهي هذا الشعور قسوة وألمًا وخيبة هو هذا الإنحطاط الأخلاقي المدوي والفظيع على الصعيدين السياسي والحزبي الذي أوصل هذا الشعب لهذه المتاهة المجلجلة ولهذه الفوضى العارمة وفقدانه للأمل بالحاضر والمستقبل !…
قد يندر أن تجد بلدًا واحدًا على هذا الكوكب مصاب بتلك العاهة الأخلاقية وهذه العبثية كما هو لبنان الإشعاع والتألق والإبداع وذلك كله بسبب حفنة من تجار السياسة لوثوا ما إستطاعوا بمساعدة الشعب الغافل عن حقوقه مما أوصله الى الحضيض فتمكن منه اليأس وأضحى هائمًا على وجهه في صحراء غربته عن حقيقته !…
إنه لعار وأي عار أن ينتظر شعب بأكمله بإرثه الثقافي الفكري والفني العبقري والفريد أن ينتظر “كلمة السر” من هنا أو هناك تعلن إسم الرئيس العتيد وإذا تأخر ظهور الدخان الأبيض من “مصباح” المايسترو الدولي والإقليمي يبقى هذا الشعب يتلوى على جمر الصبر ويلوك العلقم في ليل متاهته وهو لا يعلم أنه بذلك يهيل التراب على كرامته ويحط من سمعته وصورته بين الدول !…
أمام هذه المشهدية الأليمة يتملك الواحد شعور بالغضب العارم من هذا الدرك الذي وصلناه ويتساءل في أعماقه : هل نحن شعب في دولة كباقي الشعوب والدول أم نحن ركام بشري مكدس في مركب إسمه لبنان تتقاذقه الأمواج العاتية ومصيره مشرع عالتيه والقهر والعذاب ؟!!
ما هذا الإعتلال الخطير في ثقافة هذا الشعب وهذا الإنفصام في شخصيته وكيف وهو بهذا الإضطراب في إنتماءه للوطن وسكوته عن هذا العار الذي يصنعه لنفسه أن ينهض من كبوته القاتلة ويصنع وطنا” لا محطة مشرعة أبوابها على هجرة شبابها ؟!
عجبا” لشعب يشكو ويلعن دولته ليل نهار وما الدولة والمؤسسات غير أناس منه ، من أبناءه وليسوا أشباحا” من كوكب آخر وهو قد إختارهم يوم الإنتخابات ( بإعتبارها مناسبة التعبير عن الرأي الحر تشبهًا بباقي الشعوب الراقية !! ) وهو بالتالي يلعن ذاته لأنه إختار فاسدين بمجملهم وهو أساسًا نشأ على الفساد وإستطابه فأدمنه و الدولة “الملعونة” أصبحت على صورته ومثاله !!!
شعب الكل فيه يداهن الكل والمحبة متعذرة بين فئاته ولو سمعتهم يطنبون في الكلام المعسول أمام بعضهم البعض وبمهارة مذهلة حتى ليخيل اليك أنك في “الجمهورية الفاضلة” ، حتى الأحزاب العقائدية التي أسست لمفاهيم فلسفية جديدة والتي تجاوز معتنقيها ذواتهم وأصبحوا يشكلون ضمانة وخط دفاع أول عن المجتمع بقيمهم وأخلاقهم ووطنيتهم العميقة طالتهم يد الفتنة والإنقسامات والكراهية والخروج عن روح المبادئ التي آمنوا بها فدخلوا هم أيضا” في المتاهة والتيه …!
أليس من نهاية لهذه المأساة التاريخية في هذا الوطن حيث لا سيادة ولا وطنية ولا مؤسسات يأمن لها المواطن تمنحه الطمأنينة في يومه والثقة بغده وتشعره بأنه إنسان في دولة وليس عود ثقاب في حروب القبائل اللامتناهية ؟!…

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »