الدكتور نسر حدادخاص ليبابيدياكتّاب الموقعكتاب وآراء

د. نسر حداد: التسوية الكبرى !

يتكرر الحديث بإستمرار عن تسوية كبرى لبلادنا لم تنضج بعد ! وغالبًا ما توصف التسويات بالكبيرة أو العادية على مقدار حجم المشاكل أو الأزمات ومستوى تعقديها ولسوء الحظ فإن بلادنا مصابة بأمراض مزمنة وشبه مستعصية وتدور على أرضها صراعات وحروب كبرى متواصلة لذلك لها دائمًا حصة الأسد من التسويات “الكبرى” التي للأسف تأتي دائمًا على حساب مصالحها !
وما التسوية الكبرى التي يتم الحديث عنها في الأدبيات السياسية والدبلوماسية سوى تمتين الصداقة بين الذئب والحمل وتسوية العداوة التاريخية بينهما ، وإقناع الملدوغ أن الأفعى الشديدة الخطورة قد بدلت جلدها العتيق وأصبحت أنعم ملمسا” وألطف مظهرا” ، أما ما يتعلق بنواياها وما تفرزه غددها الصماء من سم زعاف فذاك أمر آخر غير “ذات أهمية” وهو من شأن الأطباء المتخصصين وليس عامة الناس !
كما أنه بمقتضى التسوية الكبرى على “المعتدى” عليه الإعتذار من “المعتدي” ومسامحته له على كل سوء بدر منه لا بل يتنازل له عن جزء من أرضه وهويته وتراثه(مسألة سهلة وبسيطة! ) وكبادرة حسن نية إضافية يقوم المعتدى عليه بشحذ سكينه بنفسه ويقدمها للمعتدي حتى إذا أحب هذا الأخير يذبحه بها لا لشيء إلا ليريحه من شقاء الحياة الدنيا “فقط” وهكذا يكون المعتدي قد أتم معروفه على أكمل وجه وأراح ضمير “التسوية الكبرى” من العذاب ! أو ليست الحياة ممرًا وليست مقرًا وهي مليئة بالمتاعب والآلام فلماذا التشبث الى هذا الحد بالأرض والهوية والوطن وكلها أشياء فانية وغير ذات قيمة ؟!!
وكما يحكى عن “روح” القانون كذلك فإن “جوهر” التسوية الكبرى يقوم على تقطيع أوصال الدول وتفقير المجتمعات بتدمير إقتصادها ونهب مواردها وثرواتها ونسف اللحمة الإجتماعية الوطنية وتعميق الخلافات الإثنية والعرقية وتأجيج النزاعات الطائفية والمذهبية بين أبنائها الى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة فيسير أصحاب “التسوية الكبرى” في جنازتها ذارفين دموع التماسيح فوق رأسها …!
هذه هي الحكاية بإختصار
وبشرى الواهمين بالبحبوحة والإزدهار من التسوية الكبرى كبشرى الموعودين بالمرق من طبخ الحصى على النار !…

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »