كتاب وآراء

“التكامل” وتحدي العبور الى الدولة بقلم د. هشام الأعور

ان التحدي الكبير يكمن في أن لبنان يمثل منارة الصيغة التعددية، وربما الوحيدة في هذا الشرق ومن مسؤلياتنا جميعاً، مسلمين ومسيحيين، من خلال كل انتماءاتنا السياسية، ان نحافظ على هذه المنارة.

واذا وصلنا يوماً ما الى تجاوز الطائفية السياسية واستحداث مجلس شيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية تبقى مسؤوليتنا جميعاً ان نحافظ على “التكامل الوطني” وعلى المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، لانه قدرنا ان نكون معاً وان نحمل رسالة التنوع والتعددية، وتحدي الغد يختصره “التكامل” بين اللبنانيين وهو تحدي العبور الى الدولة الذي سينتصر حتماً.

يطرح “الحوار المجتمعي” ، نظرية “التكامل” هدفاً يجب تحقيقه، إذ لا معنى لوجود أي وطن، ولا مسوّغ لنشوئه ولا ضمانة لاستمرار كيانه الحقوقي ­ السياسي ولا صيانة له، بدون وعي عميق وفهم صحيح للمقومات الأساسية التي تشكّل قاعدة الوجود والكيان.

ان المقومات الأساسية الثلاث لنشوء الكيان اللبناني ، الأرض والشعب والأرث الاجتماعي ،قد هيأت لنشوء لبنان ككيان وسياسي وقانوني والتي تأتي تعبيراً عن إرادة شعبية وطنية وتجسيداً لشعور بالإنتماء الى كيان وطني موحّد (واحد) وموحّد (جامع) ، وعن الولاء الحصري له.

لكن، إذا كانت الأوطان تبنيها إرادة بنيها، فإن هذه الإرادة لا تنتقل من حالة اللاوعي الى الوعي ومن حالة الإنفعال الى الفعل ومن حالة الجمود الى الديناميكية إلا بـ”التكامل”. وقاعدة “التكامل”الوطنية بداهة هي معرفة مقوّمات وجود الوطن. هذه المعرفة هي يقظة الذات على طاقاتها ومصدر ثقتها بنفسها وإيمانها بكيانها.

ويتطلب ” التكامل” ضرورة قراءة دستور الوطن وفهم روحه وفلسفته لا نصه وحسب، بدقة وبُعد نظر، كمان أن “التكامل ” بين ابناء الوطن الواحد ، والأرتباط بحسّ الأنتماء الى الوطن والولاء له ، يشكل احد الاسباب الرئيسية في خلق المشاعر الوطنية. فمفهوم “التكامل” يتلازم مع منطق وجود الدولة ويتجسد بالحق الطبيعي الذي يمارسه المواطن على أرض وطنه في إطار من التفاعل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي مع بيئته ومجتمعه وفي ظل العدالة. لكن “التكامل” ليس شعوراً غريزياً أو فطرياً بل هو ارتباط بوعي وإدراك للمقومات التي تبرره. فبقدر ما يُدرك المواطن مبررات حقه والمسوّغات الطبيعية والتاريخية لوجود ذاته، بالقدر ذاته يعي مفهوم “التكامل الوطني” ، وتنمو لديه الرغبة في  صيغة تشاركية بين اقليات تحترم خصوصياتها، وتلتقي جميعها حول جوهر لبنان موئلا للحريات، في إطار من الشراكة الوطنية بين ابناء مصير واحد والاعتراف بنهائية الكيان والذود عن حياضه والدفاع عن كل ذرّة من ترابه.

أن مُرتجيات” التكامل” هي مرتجياتٌ مَيمونة لأنها تنبع من المنابع الروحية والفكرية واللغوية والسياسية والاجتماعية وأخوّة الروح أكثر مما تنبع من النَفعية والمادة. كما أن الخطر الكبير على لبنان يأتي من قيام دولة “اسرائيل”، دولة ليست كسائر البلدان، من يتاخمها يتاخم عدو،يعتبر مشتلاً للعنصرية والمطامع وتطالعنا بالأخطار المصيرية والوجودية ولن نُؤتى الراحة معها بعد اليوم. من هنا تتولد المسؤولية فيكون دور لبنان  في هذا الشرق الذي يجمع كل الطوائف والمذاهب الدينية والروحية والأعراق العصبية بأن يصدّر إليه الصيغة اللبنانية التي أرساها  ب “التكامل” بين طوائفه، صيغة تضمن خصوصية كل طائفة في الوطن الموحد، والتوفيق بين المصالح من دون التضحية بالجوهري، في تعمير الحاضر والآتي وضمان ما يتحلى به من خُلق ومن طاقات عليا.

“لبنان التكامل” يستطلع دائمًا القيم، ويستخلص منها كُنهها والحياة، فيسمو إلى مستوى مصير كبير، سواء أكان ذلك في الأخلاق أم في الثقافة والمعارف الإنسانية أم في العلوم  والابداع أم في الاعمال. وهو النموذج المنفتح لحرية يمكن تصديرها إلى كل بلدان الشرق لخلق شرق جديد متحد أسوة بالتكتلات الاقليمية العالمية.

 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »