كتّاب الموقعكتاب وآراء

د. شوقي حداد: “سحر العظمة !”

 

بمناسبة ذكرى وفاة عاصي الرحباني في مثل هذا اليوم من عام 1986، كتب الدكتور شوقي حداد مقالة بعنوان “سحر العظمة !” جاء فيها:

لم يولد في هذا الشرق خيال فني متدفق جمالًا وسحرًا وفلسفةً فنية – ما كان لينضب لولا خيانة موت غادر – كخيال عاصي الرحباني أحد أعظم معابد الفن الذي شيده الله من مقلع النبوغ وجعل من الجمال أعمدته ومن الحب أساسه ومن الخيال فضاؤه الذي لا يحد …
لقد كان عاصي الرحباني عاصفة جبارة من الإبداع ولكن بغير ضجيج أو تبجح وبغير خيلاء شأنه شأن العباقرة الكبار مع مسحة من الوداعة وبراءة الأطفال وإبتسامة خجولة تزين وجهه وتعكس ذاك الفيض من النقاء الروحي الآسر بسحره …
لقد مر الجمال والنبوغ الفنيين على هذه الأرض مرات عديدة وكانت آخر زيارة لهما مع العائلة الرحبانية وفي مقدمتهم عاصي الرحباني الذي إستحالت لديه الأبجدية نوتة موسيقية فتدفقت الكلمات في عقله ألحانًا علوية ورقصت القصيدة على أوتاره بخفة باهرة وتمايل بديع ، فكان لموسيقاه سحر النبيذ المعتق يخطف الألباب ويطير بالقلوب على أجنحة النشوة في فضاء من الإبداع الأصيل …
إن عبقرية هذه العائلة العظيمة وبخاصة عاصي الرحباني تتجلى أكثر ما تتجلى في الحوارات الغنائية المسرحية والرشاقة المذهلة في النغمات والألحان وسلاسة الحوار المغنى وعمق الأفكار والرسائل النقدية والفكرية والإجتماعية الكامنة في جميع أعمالهم والتي لا تقارن وليس هنالك ما يماثلها إبداعًا وإبتكارًا وتطويعًا عبقريًا للكلمة والنغمة في العالم بأسره !…
وإذا كان أول ظهور للمسرح الغنائي في العصر الحديث في أوروبا وأمريكا إلا أنه من الأكيد لم يبلغ ذاك المدى من الإبداع والجمال كما بلغه على المسرح اللبناني بقيادة عاصي الرحباني ولا شك أنه لو قدر لتلك المسرحيات الخالدة أن تترجم الى اللغات الأجنبية بالشكل الصحيح لأدهشت العالم بغزارة النبوغ والعبقرية والسحر الذي تحتويه …
لقد ولد في هذه الأرض المباركة عظماء مباركين أعطوا من نبوغهم جمالًا لا يحد وأدهشوا الكون بسحر عظمة لا تحد …
لو جاء عاصي الرحباني في الأزمنة الغابرة حيث كان للجمال وللمطر والرعد والخصب آلهة لكرس بالتأكيد إلهًا متأنسنًا للموسيقى !

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »