كتاب وآراء

أحداث فرنسا الأخيرة تطرح أسئلة حول فشل «سياسات الاندماج» وليد عربيد لـ«الديار»: صراع هويّة على أزمة مفتوحة… على حرب أهليّة؟

المصدر: “صحيفة الديار – كمال ذبيان”

توقفت اعمال العنف في فرنسا التي دامت نحو اسبوع، لكن لم تعالج اسبابها، والتي تتكرر منذ عقود، وكان ابرزها تلك التي وقعت في العام 2005، وتبدأ دائماً بقتل الشرطة لمواطن او اكثر، ويكونون من المهاجرين، الذين هم من الجزائر خصوصاً والمغرب العربي عموماً، وهي دول استعمرتها فرنسا، كما غيرها لا سيما في القارة الافريقية، وآخر الضحايا الشاب نائل (17 سنة) وهو فرنسي من اصول جزائرية، اشعل مقتله فرنسا.

فما تشهده فرنسا، هو صراع على هويتها، كما هوية اوروبا، اذ ثمة كراهية موجودة بين القادمين اليها، وبين الدولة او الحكومات المتعاقبة، اذ يشعر ابناء الضواحي، بانهم مهمشون ويسكنون في عشوائيات ويعانون من البطالة والفقر، اذ لم تنجح ما سمُيت «سياسة المدينة» في تطوير ضواحي الفقر ، التي يبلغ عدد القاطنين فيها نحو 7 ملايين مواطن نصفهم من الجزائريين، الذين اتت بهم السلطات الفرنسية للعمل في مهن وضيعة او كعمال في مصانع، فمرت اجيال على وجودهم في فرنسا واكتسابهم لجنسيتها، الا انهم يشعرون بانهم «مهمشين».

وفي هذا الاطار، يكشف الدكتور وليد عربيد، وهو استاذ علاقات دولية عاش لسنوات طويلة في فرنسا وتخرج من جامعاتها، وترأس لجنة خريجيها من اللبنانيين، بان ما يحدث في فرنسا هو صراع دولي عليها، ويقول لـ «الديار» انه يتم استغلال اوضاع المهاجرين، وصعود اليمين المتطرف لتحقيق اهداف سياسية، لكل دولة لها خصومة مع فرنسا، سواء كانت اميركا التي لا ترغب بدور مستقل لفرنسا، خصوصاً ولاوروبا عموماً، او روسيا المنزعجة من تنفيذ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لما تطلبه منه اميركا في اوكرانيا بمواجهة روسيا.

فكل حادث كان يبدأ امنياً في فرنسا، عندما كانت الشرطة تستخدم العنف والقتل ضد المهاجرين بشكل عام، يؤكد عربيد ، الذي يتحدث عن ظاهرة عدم اندماج المهاجرين في المجتمع الفرنسي، الذي مارس ضدهم التمييز ايضاً ويظهر ذلك عند التقدم الى وظيفة او عمل، فعندما يكون المتقدم من اصول غير فرنسية وينتمي الى الاسلام، فان طلبهُ يرفض من قبل الجهات الرسمية الفرنسية، وهذا غير مقبول في بلد رفع لواء حقوق الانسان والمساواة والاخوة والعدالة.

فالاحداث التي تتكرر في فرنسا، وكان آخرها ما عُرف بـ «السترات الصفراء»، يؤشر الى ان ازمة الهوية تتقدم في فرنسا، وحمل لواءها اليمين المتطرف برئاسة جان ماري لوبان، والذي ورثته ابنته ماري لوبان، وهذا ما عزز نزعة العنصرية ضد المهاجرين، كما الدعوة الى الخروج من الاتحاد الاوروبي، والعودة الى «الامة الفرنسية»، وفق قراءة عربيد الذي يرى بان هذا الوضع غير المستقر في فرنسا، والمتزامن مع ازمة اقتصادية، قد يؤسس لحرب اهلية، في وقت تتصاعد حالات الدعوة للانفصال في داخل فرنسا، التي بدأ كتّاب رأي ومفكرون فيها، يخشون عليها من التفتيت، التي وصف وزير الدفاع الاميركي الاسبق دونالد رامسفيلد «اوروبا بالعجوز والشيخوخة»، عند كل محاولة من دول اوروبية، للتمايز عن السياسة الاميركية.

وتخدم الاحداث التي تطل برأسها بشكل دائم اليمين المتطرف، ولا يمر عام الا وهناك حادث امني، لا سيما مع الشباب والمراهقين، حيث يتوسع هذا اليمين في اوروبا، كما في اميركا، يقول عربيد الذي يخشى ان تتحول فرنسا ودول اخرى، الى جماعات عرقية واثنية، ودخول الكنيسة مجدداً على السياسة، وتراجع دور العلمانية التي من اهدافها ان تفصل الدين عن السياسة، في وقت يعمل اليمين المتطرف على عودة الدين للعمل بالسياسة، وهذا سيقلب المشهد الاوروبي والعالمي، حيث يذهب العالم الى «تعددية قطبية».

لكن الظاهرة اللافتة في احداث فرنسا الاخيرة، هي انخراط شبان فيها، وصلت اعمارهم الى 12 عاماً، وان جيلاً جديداً يتربى على الكراهية وعدم الاندماج، الذي تسببه ايضاً حالات الفقر والبطالة والتهميش، لكن التوصيف الرسمي للاحداث بانها بدأت مع اطفال، او مراهقين وهو ما اكدت عليه التحقيقات التي اعلن عنها وزير العدل الفرنسي فتذكر باحداث درعا في جنوب سوريا، والتي كانت شرارتها بأن الامن السوري اقتلع «اظافر اطفال»، فكانت ما سمي «الثورة السورية» التي امتدت الى كل المحافظات، وتدخلت دول فيها، وتحولت من مدنية الى عسكرية و»تطرف ديني» مع جماعات «الاخوان المسلمين» و»داعش» و»جبهة النصرة».

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »