الدكتور نسر حدادخاص ليبابيدياكتّاب الموقعكتاب وآراء

د. نسر حداد: “الخيبة …”

 

كما أن لائحة العقاقير لا تصنع طبيبًا كذلك فإن غزارة الصواريخ والقنابل لا تصنع نصرًا ولا تشرعن إحتلالًا !…
تسعة أشهر من العدوان على الأطفال والمدن ومن حرب على الوعي والذاكرة والإنسان ، وسيل من أحدث الأسلحة الفتاكة ماذا كانت النتيجة في الميزان العسكري والإستراتيجي ؟!
بالنظر الى البون الشاسع بالقدرات الحربية والتكنولوجية بين المقاومة في فلسطين وإسرائيل (بالوكالة عن الناتو) يمكن الجزم بدون تردد أو شطط أن النتيجة بالنسبة للأخيرة هي صفر ، لا بل يمكن القول بثقة أن هنالك نتائج منها مرئية وأخرى غير مرئية لهذه الحرب ، والأخيرة تتمظهر بالقلق الفظيع الذي يعصف بالصهاينة ويقض مضاجعهم ويجعلهم في حالة من الهستيريا والهلوسة إذ أن مجرى الأحداث فتح عيونهم على حقيقة مرة ومخيفة هي وإن كانت ” القوة هي القول الفصل” في اكثر الأحيان فإن لم تكن مدعومة بالحق فلن تكون العصا السحرية التي تقيهم من كابوس الرعب المستبد بهم أو ترسخ حلمهم بأرض ليست لهم !…
أما المرئية فهي الخسارة الفادحة التي لا يمكن ترميمها بأي شكل من الأشكال لسمعة وصورة إسرائيل لدى شعوب العالم وبخاصة الجيل الجديد الذي عملت الدعاية الصهيونية لعقود على غسل دماغه وفرض سرديتها في العالم الغربي فإذ بين ليلة وضحاها تداعت جهود قرن من العمل على تلميع صورة الصهاينة بحيث صار ينظر إليهم كقتلة للأطفال وهذه بحد ذاتها طوفان آخر على صعيد تشكيل رأي عام عالمي كاره وواع لحقيقة هذا الكيان !…
لم تمض أيامًا معدودة على العدوان وما أظهرته المقاومة من بسالة وبأس حتى ضاق أحد وزراءهم ذرعًا ودعى على الهواء مباشرة بإلقاء قنبلة نووية على غزة وهذا إن دل على شيء فهو يدل على عمق الصدمة أولًا وعلى التوتر والخوف الشديدين على المصير ثانيًا، وعلى العقلية التلمودية القائمة على إستباحة دماء الآخر وإبادته بكافة الوسائل ولو حتى المحرمة منها دوليًا وأخلاقيًا !!!
لا شك أن الكلفة البشرية والمادية هائلة على أهل غزة وقد كادت تكون آلامهم دهرية وكأنهم منذورون لمهمة المنازلة التاريخية مع التنين التي خص بها القدر أهل فلسطين دون غيرهم ، ولكن هذه الكلفة على فداحتها لا تقاس بحجم تصدع الثقة وقوة الهزة وعنفها التي أصابت الوعي الإسرائيلي خاصةً والغربي عامةً والهلع العميق على مستقبل هذا الكيان المصطنع مهما أخفوا ذلك وراء إستعراض للقوة جوًا وبحرًا والتفاخر ببعض الإنتصارات الوهمية برًا (سياسة الأرض المحروقة) ، أو التلطي خلف أكاذيب لا تنطلي على أحد ، والتباهي بالدعم الأمركي اللامحدود لهم ولو خيل للبعض وجود جفاء بينهما !…
ليس هنالك من عجز وألم يضاهيان بعمقهما وإتساعهما عجز وألم من يملك الأساطيل والطائرات والقنابل الذكية وهو عاجز أن يصنع إنتصارًا حاسمًا سوى على النساء والشيوخ والأطفال أو على المرضى والجرحى في المستشفيات ، كما أنه ليس هنالك من خيبة أشد مرارة من خيبة الذي إحتل وبنى وشيد وحسب أنه صادر التاريخ والهواء والتراب فإذا به يصحو على مئة عام من الخيبة و الوهم والسراب !…
إن كل طائرات إسرائيل ودباباتها وأعنف قنابلها فتكًا – وقد سحقت أوراحًا بريئة وسفكت دماءً غزيرة وما زالت – لم تنتزع إستسلامًا من طفل فلسطيني واحد يقف بعنفوان على هاتيك الأنقاض ملوّحًا بعلامة النصر وهو يحدق بالشمس برأس مرفوع حاجبًا وراء إبتسامته البريئة مأساة شعب مجبولة باللوعة والأسى والدموع !…

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »