كتاب وآراء

د. هشام الأعور: “بلد المغارة والمئة حرامي”.

ليس صحيحاً أن السلطة في لبنان غير قادرة على حماية نفسها. تعتبر أنها انتصرت على ناسها  بعد ثورة 17 تشرين التي سرعان ما ظهرت التشققات في تلاوينها المختلفة. ربما يعرف حكام الكانتونات الطائفية أشياء لا نعرفها حول مستقبل لبنان. لكن الواقع هو أن القتال هذه المرة بين اهل السلطة دون اكتراث لرفع شعارات تتعلّق بالناس ومطالبهم وحاجاتهم، ولو على سبيل الحجّاج الكاذب كما تعودنا سابقا من هؤلاء عندما يخوضون صراعات مسلحة أو غير مسلحة فيما بينهم.

فقد النظام السياسي صلته بأرضه وشعبه. هو، بسبب فساده الذي ارتكب ضد الناس، يبتعد أكثر فأكثر عن واقعه. كل طرف داخلي مدعوم من أطراف اقليمية ودولية. هذه ليست حرباً أهلية. السلطة اليوم تقاتل نفسها . التفسّخ في الداخل جليّ. وهذا لا يمنع أن التدخلات الخارجية معطوفة على الدعم بالمال وغيره تفعل فعلها. اكتشاف حقول الغاز على الساحل اللبناني يجذب الجميع من الداخل والخارج للتنافس من أجل هذا السائل الثمين.

تلاعب نظام الطائف بشعبه. أهانه مرحلة بعد الأخرى، رئيساً بعد الآخر. لم يعد قادراً على تحمل المسؤولية والرد على هموم الناس وتطلعاتهم في بناء مستقبل واعد يليق بكرامة الانسان. حوّل لبنان الى شركة، وهذه يتنافس فيها أعضاء مجلس الإدارة بالدم والسلاح. لا نفهم الكثير عن بواطن ما يجري لأن معظم الأسهم ليست اسمية بل هي لحامله.

صاحب المال هو المالك الوحيد. وهو متعدد الأطراف. أما المقاتلون على الأرض فهم مرتزقة لدى الأصحاب الحقيقيين للأسهم. سقطت ورقة التين عن جميع اللاعبين المحليين تقريباً. هم إما أنهم دون وطنية، أو دون عقيدة قتالية ضد الأعداء، وفي الغالب لديهم استعداد كامل للتحالف مع القاصي والداني.

ما يجري في لبنان  هو صراع على السلطة. سلطة في سبيل السلطة. انقسام متزايد في سبيل مكاسب مادية، صارت هي الهدف، ربما الهدف الوحيد، بدل أن تكون وسيلة. لا يستطيع أي طرف سياسي أن يحكم بمعزل عن تأثيرات المحيط  . لكن أن يصير الارتهان للخارج عقيدة سياسية  فهذا الأمر يُحوّله الى مرتزقة وحسب. وقد صارت الاستعانة بالقناصل عادة لدى السياسيين في لبنان. بلغت الاستعانة بهم حد أنهم تحولوا الى موظفين  يعادون ناسهم  ويحتقرون الديمقراطية، ويدعون للاستعاضة عن الدولة بحكم الاقطاعيات المتوارثة ، حيث أن الحاكم او الزعيم ليس مواطنا في دولة  بل حامل أسهم فيها، ومعرض لفقدان أسهمه في حال سنحت الفرصة لمن يشتري الأسهم.

لقد تلاعبت المنظومة الحاكمة  بدولتها وشعوبها، وهي تملك الكثير من المال لتمويل ذلك. أما الشعوب اللبنانية فهي تدفع مقابل ذلك خراباً ودماراً وقتلاً وتهجيرا.

وبعد الانهيار الاقتصادي لا ترى المنظومة في ناسها إلا عبئاً عليها. لديها المال المنهوب وثروات في باطن الأرض. والشركات الكبرى تتولى ذلك، وهؤلاء الناس  لا لزوم لهم إلا ربما للخدمة المنزلية أو خدمات أخرى. لا تستطيع هذه المنظومة الحاكمة الخروج على منطق الزبائنية في أعلى مراحل العبودية . هي جزء منها.

لبنان في حفرة سحيقة،  وقاطنيه هم العينة، الذين يعيشون الوضع الأصعب، على الإطلاق، وهذا ليس صدفة ولا قدراً، بل جريمة ارتكبت من قبل حكام اليوم ، عن سبق إصرار وترصّد في بلد المغارة والمئة حرامي.

فاسدون، سماسرة، لا يمتهنون الا السرقة والربح. الوطن بالنسبة لهم عملة ورقية تساوي راهنا دولارات .

صمت الناس على مصاصي دمهم هو السبب وراء المحنة التي نعيشها اليوم. لم يولد المواطن بعد. في لبنان كانتونات واقطاعيات وفدراليات وشوارع وزواريب ونتساءل لماذا ليس عندنا دولة وديمقراطية  ومساواة وعدالة وتنمية وانتاج واقتصاد ؟

الى متى كل هذا؟

لا بصيص نور في الأفق. لا خير في من ينتظر العون من عواصم عربية وغربية. ولكن هل نبقى على صمتنا؟ الا نستطيع ان نبحث عن خيار آخر؟ عن وطن يحاول النجاة. عن مواطن لبناني يمسك مصيره بيديه وارادته اقوى من حصون مستحمريه؟

هل انا منحاز لفقدان الأمل؟ لا ارى الا الاستسلام؟ اعاين كيانا يسير بسرعة الى هاوية الخراب.ابحث عن مواطن فلا أجده، كأن هناك كراهية للمواطنة. المواطن جرثومة. السلطة تكافحه تقمعه تعاقبه تلغيه، لأن الأنسب لها حناجر رخيصة تصدح بقصائد التفاهة والدجل والتمجيد والتعظيم.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »