كتاب وآراء

هل وثيقة “لقاء الهوية والسيادة” تشكل حقا الحل الأنسب للمعضلة اللبنانية؟ بقلم الدكتور هشام الأعور (جزء أول)

ما هي البنود الرئيسية للوثيقة السياسية التي أعدّها “لقاء الهوية والسيادة” والتي تم الاعلان عنها من بكركي برعاية البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بحضور سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ سامي ابي المنى، ممثلا بالشيخ سامي عبد الخالق. وهل تصلح كحل للمعضلة اللبنانية؟

 

 

قرأنا، كبقية اللبنانيين، عن البنود الرئيسية للوثيقة السياسية التي أعدّها “لقاء الهوية والسيادة” بعنوان “دولة مدنية لا مركزية حيادية” والتي تم الاعلان عنها من بكركي برعاية البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بحضور سماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، الشيخ سامي ابي المنى، ممثلا بالشيخ سامي عبد الخالق.

لاحظنا أن البطريرك الراعي، خلافا لسلفه البطريرك الياس الحويك الذي ابلغ امتعاضه الى المفوض السامي الفرنسي هنري دو جوفينيل من تعيين ارثوذكسي رئيسا للجمهورية الجديدة غداة اقرار دستورها عام  1926، ينضم الى “لقاء الهوية والسيادة ” بالموافقة على انتخاب رئيس للجمهورية (مسيحي) من الشعب مباشرة وإلغاء (مذهبيّته) على أن يكون من أعضاء مجلس الشيوخ، مع إعطائه صلاحيات دستورية تمكّنه من أداء دور الحكم. ألا يعني هذا أن الرئيس العتيد للجمهورية اللبنانية، المنتخب من المواطنين كافة، مسلمين ومسيحيين ودروز، يمكن أن يكون أرثوذكسيا، أو ملكيا أو إنجيليا إلخ؟
عزى البطريرك الحويك امتعاضه لسبب ان الموارنة هم الطائفة الاكثر عددا وقادوا لبنان الى استقلال كيانه عن سوريا بضم اطرافه التاريخية اليه. فهل تغير الواقع التاريخي الآن؟ وإن كان لبنان قد سقط فعليا في تغييرٍ تاريخي لبنيته، وارتفعت الأصوات بالمطالبة بإعادة تكوين السلطة وإضافة غرفة ثانية إلى جانب البرلمان من خلال إنشاء مجلس شيوخ على أساس التمثيل المذهبي وإقرار نظام داخلي له، على أن تكون رئاسته، حسب الوثيقة، من خارج القيد الطائفي.
فهل يعود “للكنيسة المارونية”، أو لمن قد يمثلها، الحق بالتنازل عن ملكية رئاسة الجمهورية لمن تشاء، أم تترك الأمر للشعب اللبناني ليحدد، مع التغيير الجذري لتاريخ وطنه، من خلال تعديل دستوري واضح، كيف تترتب أمور رئاسة الجمهورية وما يليها من رئاسات؟

قرأنا كذلك عن إلغاء مذهبيّة رئيس مجلس النواب (المسلم)، على أن لا يُجدَّد له لأكثر من أربع سنوات متتالية، كما إلغاء مذهبيّة رئيس الحكومة (المسلم)، وتحويل مجلس الوزراء مجتمعاً إلى مؤسّسة مستقلّة وإقرار نظام داخلي له. فما الذي كان يفعله شيخ عقل طائفة الدروز الموحدين في هذا اللقاء؟ هل توصل لتلمس تمثيل وازن لطائفته التي، وإن كان للموارنة فضل في تأسيس لبنان الحديث، فلا نعتقد أن فضل الدروز يقل، بالكثير، عن دورهم؟
ولفتت الوثيقة إلى التأكيد على عدم الجمع بين رئاستين من أصل الرئاسات الأربع في مذهب واحد، وإلغاء طائفيّة ومذهبيّة وظائف الفئة الأولى في الإدارة العامة. هل يعني هذا أنه يمكن للدروز، ونتوقف عند طائفة الموحدين لأن رأس طائفتهم هو الوحيد الذي كان ممثلا، أن يحظوا بالحقوق التي للطائفتين الإسلاميّتين في ضمان رئاسة وازنة تمثلهم؟ وبالنتيجة أي وطن سيقوم على مواطنين غير متساوين في الحقوق والواجبات؟ أما لهذا السبب كانت الحروب منذ الاستقلال حتى اليوم – قعر جهنم –؟
لقد انخرطت البطريركية المارونية، ومن مدة غير قصيرة، بشكل مباشر، في الانقسام السياسي بين الاطراف اللبنانية عندما دعا البطريرك الراعي الى نظريته الشهيرة في “الحياد الايجابي” للبنان، ونبرته العالية في انتقاد حزب الله خصوصا على خياراته السياسية والعقائدية. واليوم، يدخل رأس الكنيسة المارونية جديا في رسم نظام متكامل يقوم على عدم مذهبية الرئاسات الأربع، وهو خروج واضح عن العرف الدستوري في توزيع السلطات العامة التي أسست على مبدأ التوازن الطائفي، وكانت الأقلية الدرزية، رغم تاريخية دورها في نشوء لبنان الحديث، الأكثر غبنا.
منذ ولادة لبنان الكبير لعب البطاركة جميعا دور الآباء، لكنهم لم يكونوا جميعا قادة. انبثقت قيادة البطريرك باستمرار من ظروف عاصفة كانت تضرب الطائفة المارونية، فتوقِعها في محنة وتهددها بخطر على كيانها ووجودها السياسي والديني. ومع “العنق بين السيف والنطع” على حد قول جبران خليل جبران، تعود لتلتف حول ابيها فتحيله قائدا استثنائيا. وكان هذا ايضا دور مشيخة العقل عند طائفة الموحدين الدروز الذي يتوسّع في ممارسة صلاحياته، ومن خلالها قيادته، لأنه شيخ عقل الدروز جميعا، والذي لا ينأى بنفسه عن استخدام نفوذه الروحي في شأن زمني يجد ان موقفا تاريخيا منه فيه، يمسي جزءا لا يتجزأ من رسالته التوحيدية.
وهذا بالذات ما يحسب نجاحا هاما لسماحة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز محمد ابو شقرا، الذي طبع بمسيرته الغنية وحضوره حقبة من تاريخ لبنان، في تبوأ ادوار وطنية، وبمقدار حرصه على الوحدة الوطنية، وكأحد أعمدة الحوار على مدى اكثر من اربعين سنة في مقام مشيخة العقل، كان حريصا على بيته الداخلي فكان له الكلمة الفصل في رفع ورقة مع  الأمير مجيد ارسلان والنائب وليد جنبلاط في العام 1983 الى الرئيس امين الجميل والتي تحولت وثيقة في ما يتعلق بمجلس الشيوخ واسناد رئاسته الى الطائفة الدرزية.
فهل نعود بعقارب الساعة إلى الوراء؟ أليس هذا ما يلاحظ مباشرة مما يرد من تعقيدات في “وثيقة لقاء الهوية والسيادة”، أولا من جهة التعدي على حق الشعب بتقرير مصيره فتقرر شلة من المواطنين، حتى ولو استغلوا غطاء مرجعية دينية تاريخية مثل “بكركي” تقسيم ما لا يجوز تقسيمه من حقوق وواجبات متساوية، كاملة، بين المواطنين، ومن جهة أخرى بتمويه دور طائفة الموحّدين الدروز الذي، إن تكلمنا عن حقوق تاريخية في لبنان، ليس الأقل وزنا من بين الحقوق؟
(غدا الجزء الثاني)

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »