كتاب وآراء

زياد كاج يستكمل كتابة «سيرة المكان» في رواية «تي. في. تاكسي»

المصدر: “صحيفة الديار – كمال ذبيان”

بناية «تي. في. تاكسي»، هي الرواية التاسعة لزياد كاج، الذي نشر كتابي شعر، في اول اصدار له 2003، وهو لم يتوقف منذ ذلك العام، عن ان يصدر له مؤلف جديد كل سنة.

وامتاز كاج، في «سيرة المكان»، على غرار «ادب الرحلات»، فكانت كتبه في هذا الاتجاه الذي عرّف القارئ على الامكنة، فكان كتابه الاخير، لما سبق ونشره، حول «رأس بيروت» و «مونداي مورننغ»، وهو عنوان لرواية يتحدث فيها المؤلف عن عمله كصحافي في تلك المجلة الاسبوعية.

فروايات كاج، هي استذكار للمكان، وهو ما فعله في كتابه الاخير حول الصنوبرة، وهي منطقة او حي في بيروت مجاورة لقريطم، والبريستول وفردان والحمراء، او ما يسمى رأس بيروت، اذ يتحدث المؤلف عن «بناية الزاهد» في منطقة الصنوبرة، التي انتقلت عائلته اليها من بناية الصفراء التي فيها مطعم «اسطنبولي» الشهير، اذ عمل والده ناطوراً في مكان عمله الجديد.

ولا يخفي زياد كاج، في ما سرد، وضعه العائلي، ولا المهن التي عمل فيها والده او والدته، التي هي من الطائفة المسيحية من بلدة بحمدون في قضاء عاليه، والتي تزوجت سنياً من بيروت، الذي كانت له عائلة من شابين وفتاة وسمي «ابو رياض».

والزواج المختلط، هو من وضع العائلة المتواضعة، في اجواء «علمانية» لم يقصدها احد، انما الظروف هي التي فرضت هذا السلوك، الذي ظهر في ممارسة الاب والام، كما يصف المؤلف عائلته، التي بقيت متماسكة مع الاقرباء والانسباء، وقد ساهم في ذلك ان «بناية الزاهد»، كانت تضم سكاناً من كل الطوائف والمذاهب والجنسيات، وهذا نموذج لبنان الذي كان قبل الحرب الاهلية، والفرز الطائفي والمناطقي، وحواجز القتل على الهوية.

فالكتاب، هو نقل لما نشأ عليه المؤلف من طفولته الى شبابه، وهو يروي تفاصيل ما كان يحدث في ما يسميه «مجتمع الزاهد»، وهو وصف لبناية من سبع طبقات، ضمت 35 شقة، وهو عدد لا بأس به، حيث تفاعل سكان المبنى مع بعضهم، الا قلة من «انفردوا» في حياتهم، فكان «مجتمع الزاهد»، كثير الاحداث، التي حصلت مع عائلاته، فينقلها كاج كما جرت، وبواقعية الراوي، الذي سمى العائلات باسمائها، وروى ما تعرضت لها من زواج ووفاة، الى هجرة وتهجير وازمات خاصة.

ويؤرخ كاج، لاحداث كبيرة حصلت في حي الصنوبرة، حيث اغتيل ثلاثة من قادة المقاومة الفلسطينية في 10 نيسان 1973، في شقة سكنية في منطقة فردان، وعلى بعد مئة متر من «بناية الزاهد»، وكانت الهزة الامنية الاولى التي سبقت اندلاع الحرب الاهلية في 13 نيسان 1975. واغتيال القادة: كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار وزوجته، وامرأة ايطالية طاعنة في السن، حيث نجا من العملية عرفات والتي قادها ايهود باراك الذي اصبح رئيسا للحكومة الاسرائيلية، وكان ابو عمار في احدى الشقق في الشارع، وانه تابع عملية المواجهة واشرف عليها، كما ينقل الراوي عن مذكرات احد قادة «فتح» دون ان يذكر اسمه.

وبعد ست سنوات، من اغتيال القادة الثلاثة، وكانت الحرب اللبنانية الداخلية قد اندلعت، وشارك فيها الفلسطينيون بقوة، قتل «ابو حسن سلامة»، احد ابرز قادة الامن في «الثورة الفلسطينية»، وفي المنطقة ذاتها في حي الصنوبرة، واعترفت «اسرائيل» بالعملية، ردا على عملية «ميونيخ» للالعاب الاولومبية في برلين، التي نفذتها منظمة «ايلول الاسود»، وقتل فيها رياضيون اسرائيليون، حيث ذكر الكاتب ان «الموساد» زرع عميلة له تدعى اريكا تشامبرس، ادعت انها رسامة، وسكنت في مبنى يكشف الطريق الممتد من المبنى الذي يقطن فيه سلامه مع زوجته جورجينا رزق، (ملكة جمال العالم) وصولاً الى شارع الصنوبرة.

الكتاب ينقل احداثا منذ نهاية الستينات حتى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وهو سكن في قريطم القريبة من منطقة الصنوبرة.

ودقة التفاصيل، وهي واقعية في الرواية، تكشف عن حياة «البيروتي» خصوصاً، وعن منطقة غنية بتنوعها السياسي والطائفي، كما عن رموز مكانية فيها كفندق البريستول وسيار الدرك ودار الطائفة الدرزية، والمدرسة الايطالية، التي اقفلت وهدمت.

انها رواية تحكي عن الاماكن وسكانها، واحداثها، بدقة في تفاصيلها، فيتعرف القارئ، الى سكان «بناية الزاهد»، التي دخلها والده «ابو رياض» ناطوراً، وبقي فيها مستأجراً مع تغيير المالك، اذ تناوب على السكن في شققها الفقير والبورجوازي، والامي والمثقف، والاشوري والارمني والسرياني.

ان «سيرة المكان»، هي مزيج من الذكريات الخاصة المتصلة بالاحداث العامة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »