كتاب وآراء

راوية المصري: “التين والزيتون وانا….”

تتراقص الكلمات على أوتار الحكمة، وتنساب الحروف كأنهار الفصاحة، لتروي قصة الفيل والملك، قصة تتجلى فيها مفارقات الحياة كما تتجلى أشعة الشمس على أوراق الزيتون والتين.
في مملكة الوهم، حيث الحقيقة تختبئ خلف ستائر الخوف، كان هناك ملك يملك فيلاً ضخماً، رمزاً للسلطة المطلقة والجبروت. كان هذا الفيل كالقدر الذي يطأ بأقدامه الثقيلة أحلام الرعية، ويسحق بخرطومه آمالهم كما تسحق معصرة الزيت حبات الزيتون.
اجتمع الفلاحون في ظلال الليل، كما تجتمع جذور الزيتون والتين في باطن الأرض، ليحيكوا خطة شجاعة. قرروا إرسال مندوب عنهم، رجل يحمل في صدره جرأة الحق وفي لسانه حلاوة البيان. وقف هذا الرجل أمام عرش الملك، وقد تملكته الرهبة فغدا كغصن زيتون يرتجف في مهب الريح.
“يا جلالة الملك، الفيل بحاجة إلى…” وانقطعت كلماته كما تنقطع قطرات الندى عن أوراق التين تحت وطأة شمس الظهيرة. فأجاب الملك بغضب: “ما به الفيل؟”
تدحرجت الكلمات من فم الرجل، والتفت خلفه لم يرى أحد من مناصريه، وكأن الأرض نفسها تعود إلى فطرتها الدفينة: فقال مطأطأ رأسه يا جلالةالملك “الفيل وحيد!” والأرض تئن مجدداً تحت وطأة الظلم، كما تئن شجرة الزيتون تحت ثقل ثمارها.
قهقه الملك بسخرية: “ماذا تقترج ايهاالفلاح ؟”
رد الفلاح بخوف وتعثر: “يا جلالة الملك، إن الفيل بحاجة إلى فيلة!” وابتسم الملك لاخلاص ذلك المواطن، وكافأه على “حكمته”.
وهكذا، تتكرر قصة الفيل في كل زمان ومكان، كما تتكرر دورة حياة شجرة الزيتون والتين. فالوعود الكاذبة تتساقط كأوراق الخريف، والحقيقة تبقى راسخة كجذع الزيتون العتيق.
في عالم مليء بالأفيال المدللة والملوك المستبدين، تبقى كلمة الحق هي السيف الذي يقطع حبال الظلم. وكما تستمر شجرة الزيتون في العطاء رغم قسوة الظروف، فإن الكلمة الصادقة ستظل تنمو وتزدهر في قلوب الناس. وكما تتعانق شجرة الزيتون والتين في حديقتي، دعونا نتعانق نحن أيضاً في وجه الظلم والفساد، ونعمل معاً من أجل مستقبل أفضل.
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »