متفرقات

د. هشام الأعور – مجلس الشيوخ..هل يُنقذ لبنان؟

عندما نبحث في الانهيار والتأزّم اللّذَين يعيشهما النّظام السّياسي والاقتصادي اللّبناني الحالي، بالإضافة إلى الموقع السياسي – والاشكالي أيضاً،  الذي تشغله البيئة الدرزية ضمن هذه الأزمة وضمن هذا النّظام تزدادُ قناعتي، أكثر فأكثر، بعمق وبصحّة الطّرح الذي أتى به اتفاق الطائف إلى دروز لبنان، ومن خلالهم إلى جميع اللّبنانيّين عندما نصّ في المادة 22  على استحداث مجلس شيوخ،وهنا تكمن أهمّيّته، لأنّه يهدف ـ بصدق وبوضوح وبطريقة عمليّة وسلِسة ـ إلى الحفاظ على موقع الدروز  اللّبنانيّين الكياني في التركيبة السياسية،و إلى السّير بجميع مكوّنات المجتمع اللّبناني نفسه نحو عقليّة المواطِن ونحو دولة المواطَنة بالتدرج من خلال تشكيل الهيئة الوطنية لتجاوز الطائفية السياسية.

من هنا، وباختصار، أعتقد أنّ على جميع اللّاعبين الأساسيّين ضمن البيئة الدرزية، والمتّفقين حول استعادة الحقوق  أن يعيدوا قراءة التّموضع الدرزي الرّاهن فيما يخصّ مستقبل النّظام اللّبناني، وفي ضوء ورشة عمل جدّيّة تتمحور حول تجديد طرح “الثنائية المجلسية ” وتكييفها مع الواقع الرّاهن.

علينا جميعاً أن نكون متمكّنين من الإجابة بجدّيّة على الأسئلة الجوهريّة التي يطرحها علينا الصّادقون من باقي اللّبنانيّين حاليّا، وأن نخرج ربّما من حالة الحرج او سياسة الهروب او التّأجيل المدروس، أو محاولة كسب الوقت، أو عدم الإعلان عن هواجس الخوف من المستقبل والمصير.

كيف نرى مستقبلَ النّظام السّياسي اللّبناني وبصراحة؟ ما الذي نريدهُ تحديداً في هذا الإطار؟ هل نؤيد تجاوز الطائفية السياسية؟ هل نحن مع دولة المواطَنة العصريّة؟ هل يشكل مجلس الشيوخ احد هذه  الخطوات العمليّة التي نطرحها على باقي اللّبنانيّين في سبيل تحقيق هذا الهدف؟ ما هي نظرتنا الحقيقيّة إلى المشاركة السياسية في الحكم؟ هل عندنا بدائل نطرحها، أم أنّ علينا فقط الاكتفاء بما تيسّر حاليا من مقاعد نيابية ووزارية تحفظ من مكانة هذا الزعيم او ذاك؟

يمكننا أن نجاملَ بعضنا بعضاً لعشرات السنين ،او التغاضي عن الحقيقة والاختباء وراء اصبعنا ولكن، إن استمرّينا في الهروب من هذه الأسئلة، ومن الإجابة عليها بشكل صريح وواضح وعلميّ فنحن نخسر كثيراً، على مستوى الفرد-المواطن، وعلى مستوى فكرة الدولة، وعلى مستوى دورنا، وعلى مستوى مستقبل البلد ككلّ.

إنّ الدّفع نحو ورشة استحداث غرفة ثانية في البرلمان اللبناني لا ينبعُ إلّا من منطلق دستوري ووطني للشروع في عملية اصلاح مؤسّسات الدّولة اللّبنانيّة، وان كنا لا ننكر بتاتاً الجهود الكبيرة التي يبذلها البعض في سبيل مشاريع تحويل لبنان الى كانتونات او اتحاد فيدرالي يقوم  برأيهم على المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع اللبنانيين.

الهدف: متى تنطلق ورشة العمل حول مجلس الشيوخ اللبناني، وبشكل جدّي؟

بالطّبع، لا يُمكن الدّخول في ميدان الأزمة البنيويّة اللّبنانيّة الحاليّة من غير تفعيل الاصلاحات السياسية لاتفاق الطائف.و من الصحيح  ايضا، ان ارباب النظام الطائفي، وأكباش الطوائف يصيبهم الرعب عندما يرون الناس يفعلون شيئاً لإزالة هذا النظام الطائفي ، لكن كل هذا لا يعفي الأطراف اللبنانية الأخرى، أن تُطلق ورشة عملٍ جدّيّة في هذا الإطار. علينا، ألّا نتوقّف عند الخطابات السّياسيّة والإعلاميّة والحزبيّة العامّة، ولا عند بعض المبادرات الفرديّة لبعض الباحثين والمفكّرين هنا وهناك. لكن المطلوب هو ورشة رسميّة وجدّيّة، تتجلّى من خلال أوراق بحثيّة علميّة (غير دعائيّة) ومن خلال خرائط طرق للانظمة البرلمانية التعددية.

ما بلغت المنظومة الحاكمة في لبنان  مرحلة تعتبر فيها المدنية متجاوزة الثقافة. المدنية أرفع فنون التعامل بين الناس. دونها يبدو الأمل مفقوداً. على الجميع أن يعي أن المدنية فوق الثقافة وكل الاعتبارات الدينية والطائفية، وأن الدولة هي الناظم الوحيد للمجتمع، على تناقضاته الداخلية، وأنها شرط لما عداها ولا شرط عليها.

تجبرنا الطبقة السياسية على العيش في نظام دون دولة. ومع عدم اكتمال نصاب الدولة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية ،تقضي التسوية بقبول كل طرف مما لا يروقه. إن تضارب المواقف والشعارات لا يأخذ أصحابه في الاعتبار ضرورة التنازل عما يعتبرونه حقيقة في سبيل غاية أسمى وأكثر أهمية مما يعتقده كل فريق. الدولة، أو نصاب الدولة، هو الغاية المطلقة،ليس فقط بأجهزتها التي تشكّل النظام، بل بالرؤى حول ضرورة “التكاؤن” سوية، ولو على حساب المعتقدات أو شكل النظام السياسي المطلوب وجوده، حسب إعتقاد هذا الطرف أو ذاك.

الحوار المجتمعي

 

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »