دوليات

اليمن و”حرب المضائق”: أنصار الله ينصرون غزة

كتب المحرر

ليس غريبًا على اليمن السعيد نصرة غزة ومساندتها بمواجهة حرب الإبادة “الإسرائيلية”.. فموقف يمن العروبة تجاه فلسطين ما بين 1948 و2024، لم يتبدل بحكم الظروف والتقلبات والموازين الدولية..

بالرغم من كل الفتن ومؤامرات التقسيم، حضر اليمن دومًا في صلب الحدث راسمًا مساره ومغيّرًا معادلاته.. في ما شعبه لم يغادر يومًا ساحة نصرة قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، لتبقى القدس بوصلته والأقصى مسجده.. ليس بالشعارات والهتافات الرنانة؛ بل بالمواقف العملية البطولية، وبالحضور الجماهيري المليوني في ميدان السبعين، وبالبروز في شتى ساحات التصدي للاعتداءات “الإسرائيلية” المتكررة على الشعوب العربية في مختلف المراحل.

جردة تاريخية سريعة، لما قدمّه ويقدمه شعب اليمن الآغر، تعيدنا بالذاكرة الى نشأة الكيان الغاصب العام 1948 يوم اختلط الدم اليمني بالدم العربي والفلسطيني، فارتقى ما لا يقل عن 50 شهيدًا يمنيًا في جبهات يافا والقدس وغرب الخليل، وداخل المسجد الأقصى المبارك.

بقي يمن العروبة هادرًا ثائرًا، لم يستكن يومًا، فكان شريكًا كاملاً في حرب أكتوبر/تشرين 1973، بعملين بطوليين. الأول: يوم اتخذ قرارًا مماثلاً للقرار الذي يساند به غزة اليوم، بإغلاق مضيق باب المندب أمام السفن “الإسرائيلية”،  ليتعرّض كيان الاحتلال يومها لأوّل حصارٍ بحري في تاريخه، دفع برئيسة حكومته “غولدا مائير”- يومها- للاستغاثة بالولايات المتحدة التي لبّتها – تمامًا كما تفعل اليوم- بتهديد اليمن بأنّها ستحرّك أسطولها الرابع لرفع الحصار عن “تل أبيب”.
أما العمل الثاني، والذي يجهله كثيرون، فبطله الطيار اليمني ابن محافظة تعز الملازم أول طيار “عمر غيلان الشرجبي” المتطوّع، في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 في سلاح الجو العربي السوري، حين انقضّ على إحدى طائرات “الفانتوم” وحطّمها وضرب مواقع التموين “الإسرائيلية” ودمرها بالكامل في طبريا جنوب جبل الشيخ، ليستشهد على أثرها بتاريخ الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1973. وليخلّد من بعدها السوريون اسمه ببناء نصب تذكاري له في أكبر شوارع العاصمة السورية دمشق.

سنوات قليلة بعدها، برزت أيضًا في العام 1978 مشاركة اليمنيين محمد حسين الشمري وعبد الرؤوف عبد السلام، ضمن المجموعة الفدائية التي قادتها الفلسطينية دلال المغربي، ونفذت يومها “عملية الساحل” أو ما عرف بـ”عملية كمال عدوان”.
فقد تمكّنت من السيطرة على حافلة جنود بعدما تسلّلت عبر البحر إلى فلسطين، ما أدى الى مقتل أكثر من ثلاثين مستوطنًا “إسرائيليا”، واستشهاد المنفذين؛ ومنهم دلال المغربي أول “رئيسة جمهورية لفلسطين”؛ بحسب وصف الشاعر نزار قباني.

إذا كان ثمة دلالة أو رسالة خلف تشكيل مجموعة دلال المغربي، من مقاتلين فلسطينيين ولبنانيين ويمنيين، مفادها أن الوحدة بين العرب تصنعها فلسطين، فاستقبال اليمن لأبطال المقاومة الفلسطينية على أراضيه بعد ترحيلهم من بيروت عقب 1982، أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن دعم فلسطين بمواجهة الاحتلال “الاسرائيلي” ثابتة سياسية تاريخية ينتهجها اليمن ولا يحيد عنها قيد نملة..، كما وقوفه الى جانب إخوانه اللبنانيين داعمًا لقضاياهم حتى تحرير أرضهم في العام 2000 وبمواجهة العدوان العام 2006، ودعمه الدائم لتحرير الجولان السوري المحتل.

كما لليمنيين مع غزة حكاية نصرة ومساندة طويلة، بمواجهة الاعتداءات كافة التي تعرضت لها لا سيما منذ العام 2008، وصولاً الى طوفان الأقصى في نهاية العام 2023 ومطلع العام 2024، والقرارات الحكيمة والجريئة التي اتخذها يمن العروبة عبر قيادة أنصار الله، بدءًا من ضرب إيلات بالصواريخ والمسيّرات وشلّ المدينة الأكثر أهمية اقتصاديًا وسياحيًا، وصولاً الى فرض الحصار البحري – كما في لعبة الشطرنج “كش ملك” – ومنع السفن المتجهة إلى “إسرائيل” من المرور بمضيق باب المندب..،

هذه خطوة مفصلية ونادرة في تاريخ الصراع مع “إسرائيل” تعبر عن جرأة لا نظير لها لكسرها وتحدّيها الحرمات والضغوط والتهديدات الدولية كلها، وكونها تشكل تجسيدًا يمنيًا عمليًا لتأييد حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه واستعادتها كاملة، من النهر الى البحر وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »