المقالة الأسبوعيةخاص ليبابيديافادي رياض سعد

اللامركزية الإدارية:  “مشروع إنمائي؟… أم تقسيمي؟!!!”.

وردت اللامركزية الإدارية الموسّعة في اتفاق الطائف تحت عنوان «الإصلاحات الأخرى» في البند الثالث من الباب الثاني (الإصلاحات السياسية)، كحلّ وسط بين المطالبين بالفيديرالية وبين رافضي التقسيم، بعد سنوات حرب طويلة بين المشروعين. علمًا إن النظام اللبناني، أصلًا، ليس مركزيًا بالكامل، حيث تُعتبر البلديات “إدارة لامركزية” كما “اتحادات البلديات”.

واللامركزية الإدارية هي نوع من التنظيم الإداري للدولة الموحّدة يقوم على نقل صلاحيات إدارية من الدولة المركزية إلى وحدات محليّة منتخبَة مباشرةً من الشعب تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية. أي إعطاء صلاحيّات نوعيّة ومكانيّة، “بالاختصاص والمكان”، إمّا للبلديّات، وإمّا لمجالس محافظات، أو لوحدات إداريّة منتخبة بصورة أساسيّة مباشرة من قبل الناس. فيما تبقى الأمور الأساسيّة في الدولة منوطة بالدولة المركزية.

في ظل هذه المشهدية المظلمة التي يمر بها لبنان، وفي ظل تدافع القوى السياسية نحو تطبيق اللامركزيّة الإدارية الموسّعة تحت عنوان «الإنماء المتوازن» في هذا التوقيت، يكتنفه غموض كبير، إذ أنه  يأتي بالتزامن مع طفرة الحديث عن «الإدارات المحليّة» من قبل العشرات من المنظّمات لتسويق هذه العناوين، يعيد تدوير تأثيرات القوى الطائفية، بحلّة وأدوات جديدة، مع استمرار المحاصصة في جسد المؤسسات المركزية، تحمل في طيّاتها مشروع “فدرالي- تقسيمي”، ترعاه بعض التيارات السياسية والطائفية والمناطقية، بشكل كامل وعلني، لتتقاسم ما تبقى من هيكل الدولة المركزية، الهزيلة أصلاً.

وقبل الحديث عن تطبيق “اللامركزية الإدارية الموسّعة”، الأولوية هي لبناء دولة مركزية قوية تقوم بإدارة شؤون البلاد على سائر المواطنـين في الدولة وفي جـميع الأراضي التابعة لـها من خلال المؤسسات المركزية، على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، وعلى الأسس الوطنية والانتماء للوطن قبل الطائفة او المنطقة، أولاً،… ثم التوجه الى تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة وفقاً لمرتكزاتها الصحيحة، ثانياً، … يصبح تطبيقها أمراً ملحّاً وضرورياً للإنماء المتوازن في كافة المناطق “التقسيمات الادارية” وتتحول إلى مشروع  إنمائي وطني بإمتياز.

وبالرغم من شبه الإجماع حول اعتماد اللامركزية الإدارية ولاسيّما بعد ورود هذا البند في اتفاق الطائف، لم يقرّ  هذا القانون  لغاية تاريخه. ولابدّ من الإضاءة على مفهوم اللامركزية الإدارية في ظلّ اللغط الذي يتمّ غالبًا بين اللامركزية والفدرالية، وضرورة الابتعاد عن المغالطات والمزج بين هذه المفاهيم (لدى المواطنين وأيضًا بعض المسؤولين)، والتي تؤثّر سلبًا على اعتماد اللامركزية بمفهومها الصحيح.

فالبعض يخلط بين اللامركزية الإدارية والفدرالية (أو كما تسمى من قبل الكثيرين اللامركزية السياسية). اللامركزية تختلف عن الفدرالية. إذ أن الفدرالية نظام سياسي، أما اللامركزية فهي نظام إداري. الفدرالية مصدرها الدستور، وتقوم على توزيع للسلطات بين الوحدات الجغرافية. أما اللامركزية فمصدرها القانون وليس الدستور (وبالتالي ما يعطيه المشرّع بقانون يمكن أن يأخذه بقانون)، وتقوم على منح الوحدات المنتخبة محليًا والتي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، صلاحيات إدارية واسعة.

فادي رياض سعد

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »