كتاب وآراء

الكاتبة والأديبة رانيا محيو الخليلي: كان اسمه “حسن”!

اعتبرت الأديبة والكاتبة اللبنانية رانيا محيو الخليلي  أن قدرة الله أكبر من كل القضايا الشائكة، إذ كانت تعتقد أن ظروف حياتها المعقدة لم تكن لتُحلّ لولا قدرة الله، فتيقّنت أن ما نحسبه صعباً قد يتبدّل بلحظة ويتغير لصالحنا، وقالت في تعليق بعنوان كان اسمه “حسن” على صفحتها:
نولد ويولد قدرنا معنا بكل تفاصيله. يُقال أن هذا القدر يتغير بحسب أدائنا ومقدار التزاماتنا مع قضايانا الشائكة. وبالحديث عن القضايا الشائكة، مرت علي ظروف معقدة كثيرة بحياتي، خلت لوهلتها أنها لن تُفك، ولكن قدرة الله كانت أكبر، فتيقنت أن ما نحسبه صعبا بلحظة ممكن أن يتبدل ويتغير ولصالحنا. فأصبحت مؤمنة أكثر، متوكلة أكثر، وراضية أكثر. لكن أمرا واحدا لم أستطع تفسيره: لماذا البشر الأخيار يساندونني من بعيد؟ لماذا لا أراهم؟ لماذا لا يقتربون مني حتى أراهم؟ طوال حياتي لم يقترب مني سوى الأشرار، وكنت أعلم من بعيد أن هناك من دافع عني، وهناك من حاول مساعدتي ومن عمل لأجل دعمي، لكن كل ذلك حصل بالخفاء، وكأنه لا يحق لي أن ألقى دعما ولا أن أحاط بالطيبين.
وبينما كنت أتأمل هذا الجانب القدري الغريب من حياتي، عدت لطفولتي الأولى، كان لدي صديق وهمي يزورني خاصة حين أصاب بالحمى وترتفع حرارتي، أو حين أصحو منتصف الليل خائفة والجميع نيام. كان خيالي يعمل طوال الوقت ونادرا ما كنت أشعر بالواقع. هذا الصديق الوهمي كان اسمه “حسن”، يكبرني بحوالي عشر سنوات أو أكثر، يرتدي ثوبا عربيا لونه أبيض، شعره أسود ناعم وكثيف، عيناه لونهما أسود واسعتان، يشبهني قليلا من حيث الشكل لولا أنه فتى. في إحدى الليالي الباردة جدا، كانت حرارتي مرتفعة، استيقظت وأنا أشعر بآلام في جسمي وحنجرتي وأشعر بالضياع والهذيان، لم أكن أعلم أين أنا تحديدا ولم تكن لدي القوة لمناداة والدتي. فلقيته قد ظهر من نافذة غرفتي وأتت والدته معه، كانت أيضا ترتدي ثيابا عربية ورداء أسود يغطيها من رأسها. كانت لطيفة جدا، كلمتني عن أمور أسعدتني، وكان “حسن” سعيدا بسعادتي. لم أعد أذكر الحديث الذي دار بيننا، كان عمري ثلاث سنوات، لكن لا أزال حتى هذه اللحظة أذكر كيف حضرا وحاولا مساعدتي وطمأنتي أني سأكون بخير. ومن بعدها اختفى “حسن” ولم أعد أراه، لكني لا أزال أذكر تفاصيل تهيؤاتي في تلك المرحلة، وأحاول ربطها بحياتي الحالية. لم يعد لي بعد “حسن” أي صديق أو صديقة وفية مقربة، لاسيما حين دخلت معترك الكتابة، وكأني تحولت لأصبح إنسانا آخر. فالأخيار فضلوا مراقبتي عن بعد لأن قربي ربما فيه إشعاع مخيف من شدة غرابته واختلافه. أستغرب أحيانا من نفسي، من انفعالاتي، ومن تفاعلاتي، ولم أعد أخاف منها ولم أعد أكترث لها. تقبلت نفسي أخيرا دون محاولات شرح وتبرير وتفسير. يكفيني صديقا واحدا بالخيال يسأل عني، أعرف اسمه وأعرف والدته، أفهم لغته وأثق به، صديقا كان يلهث نحوي وقت خوفي ومرضي، صديقا جميلا جدا يشبهني، يكفيني أن تكون لدي ذكرى صديق خيالي وفي، حتى لو لم أعرف يوما مكانه ولا عنوانه ولا من أين ولماذا أتى. كل ما أعرفه أنه عربي شهم ونبيل واسمه “حسن”.
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »