الدكتور نسر حدادكتاب وآراء

نسر حداد: “ما أتعس الأوطان التي مجتمعاتها في دوامة من الغليان الطائفي والمذهبي”

حفر القبور …

ما أتعس الأوطان التي مجتمعاتها في دوامة من الغليان الطائفي والمذهبي وتطاحن المصالح السياسية ومشرعة حياة شبابها غالبا” على الهجرة والتيه …
كم منكوبة الأوطان التي حكامها أميون في الإدارة والعلم والأدب والأخلاق …!
كم من أجيال على قيد الحياة وأخرى طواها النسيان عاشت القهر ولم تعرف غير الإحباط ولم تذق سوى العلقم في حياتها في وطن حكامه يطنبون بمحاضرات بليغة بالعفة والنزاهة ويتلذذون بأنين الناس ويطربون بصراخهم وفوق ذلك مصابون بهوس النهب !!!
كم غافل هذا الشعب وغائب عن الوعي ومتسامح الى درجة أدمن الذل وإستطاب إستغباء وإهانة السياسيين له وتعايش مع الواقع فتراه يصرف أيامه ولياليه بالتأفف والثرثرة والتلهي بأمور تافهة بدل أن يهب كالعاصفة في وجه تلك الحفنة من الزعماء الممعنين تيئيسا” له وتكديرا” لحياته ومستقبل أطفاله …!
يأتيك من يقول أن السياسيين عندنا ماكرين ومراوغين لدرجة عرفوا كيف يقسمون هذا الشعب حزبيا” ويؤججون النعرة الطائفية والمذهبية كلما دعت الحاجة كيلا يثور الناس بوجههم ، وقد أحاطوا أنفسهم بأزلام ومحاسيب يضربون بسيف الفتات الذي يرمونه لهم ، وحتى لو إنتفض الشعب يعرف السياسيون بخبثهم وحنكتهم كيف يبعثروا قواه ويشتتوا فئاته لتتصارع فيما بينها فيبددون حلمه بحياة كريمة فتضمحل الغاية النبيلة التي عزموا على تحقيقها ، ونحن نسأل من باب الفضول (الساذج) ما هو نوع العمى الذي أصاب الناس في بلادنا حتى لم تعد تميز السياسي الجيد من الفاسد؟! ومن يقدر على تفسير نوع التخدير الذي أصاب هذا الشعب فإستطاب الإهانة والقهر وقبول الأمر المفعول؟! ولماذا الغالبية الساحقة من الشعب من أية طائفة أو مذهب كانت لا تستعمل حقها المقدس و تحاسب في صناديق الإقتراع من نهب وأفسد من أهل طائفتها(عالأقل) وسبب كل هذه الفوضى المجلجلة ؟! لماذا لا يصرخون في وجه هؤلاء الفاسدين ولماذا لا يحترمون عقولهم (هذا في حال كانت موجودة !) فلا ينقادوا الى الأفخاخ التي نصبها كل زعيم طائفة “للقطيع” الذي ملكه بالوراثة عن آباءه وأجداده وسينقل ملكيته لأبناءه وأحفاده من بعده ، تلك الأفخاخ التي صورت لك شريكك في الوطن عدوا” فغفلت عن عدوك الحقيقي الذي هو جهلك أولا” وزعيم طائفتك ثانيا” الذي بنى في لاوعيك أسوارا” من خوف وتبرم وريبة من الآخر كما يبني الراعي “زريبة” لقطيعه !!!
أين الرجال والعقلاء في هذا الوطن وأين زوابع الرجولة تقتلع الفاسدين من جذورهم وتفتح عيون الغافلين من عامة الناس على حقوقهم وتحرر كرامتهم من أغلال الذل الذي قيدوا أنفسهم بها ؟!!
كم سينتظر ذوو الأنفة والكبرياء والكرامة والرجولة ( إذا ما إنقرضوا بعد ! ) حتى يبادروا الى فعل بطولة يزلزل هذا الواقع الرديء الأشبه بمستنقع آسن يثير الغثيان والتقيؤ ؟!!
ألم يعد هنالك رجال في هذا الوطن ؟!!
هل إضمحلت البطولة الواعية المدركة بعمق واجبها ورسالتها في الأوقات العصيبة ؟!!
ألا توجد مجموعة من الرجال تضع نصب عينيها وفي صميم إرادتها تلك الرؤوس التي أينعت فسادا” وتخريبا” وتحقيرا” للشعب وتبادر الى المهمة الجلل التي هي في صميم مصلحة الشعب وتعيد تصويب بوصلة التاريخ بالإتجاه الصحيح ؟!!
متى يتنبه هذا الشعب الى حقيقة أن حياته تعطى له مرة واحدة (بعكس المؤمنين من شعبنا بالتقمص) فإما يحياها بالعز والكرامة
أو يعيشها بالذل والقهر والإهانة ؟!!
أخبرنا التاريخ أن شعوبنا تحديدا” تنتظر البطل “المنقذ” (المضحي) تاركة شؤون مصيرها للصلاة والدعاء ( للحاكم أو عليه) ومتى ما جاءها المنقذ وأيقظها تسير وراءه الى حين يغيبه الموت ومن ثم تعود إلى هجوعها العميق والمريب !!!
ما لم يع هذا الشعب مصالحه ويتحرر من غريزته الطائفية قبل كل شيء وتتوثب فيه الرجولة لطرد لصوص الهيكل مهما كلف ذلك من تضحيات واضعا” حدا” لدوامة العبث التي تعيشها أجياله وتتفق فئاته على بناء وطن راق لا مكان فيه للنفعيين وتجار الدين والسياسة فأجدى له أن يمتهن حفر القبور ويطمر ذاته التي أوشكت أن تتعفن وتتصاعد رائحة النتن منها وتكاد تلوث أنفاس الصنوبر وعبق البخور في بلد قيل فيه يوما” مهد الحرف ووطن الإشعاع النور …!

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »