راوية المصري: ما فرقته الطوائف جمعته الحرب.
في خضم هذه النكبة التي ألمّت بوطننا الحبيب، تتجلى حقيقة ما كنا نعرفه دوماً في قرارة أنفسنا: أننا شعب واحد، متحد بألمه وآماله، رغم كل محاولات التفرقة والتمزيق.
فجأة، تلاشت الحدود الوهمية التي رسمها تجار الطائفية وسماسرة السياسة. وجدنا أنفسنا، نحن أبناء لبنان، نتكاتف ونتعاضد في وجه المحنة، غير عابئين بالانتماءات الضيقة التي طالما استُخدمت لتمزيق نسيجنا الاجتماعي.
في هذه اللحظات العصيبة، شهدنا مشهداً يثلج الصدر ويبعث الأمل في النفوس. فقد فتحت الأديرة والكنائس أبوابها على مصراعيها لاستقبال ضيوفها ، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الطائفية.
لم يسألوا عن هوية من يطرق أبوابهم طلباً للمأوى، بل استقبلوا الجميع بأذرع مفتوحة وقلوب مليئة بالمحبة.
أين هم الآن أولئك الذين كانوا بالأمس القريب يصرخون بأعلى أصواتهم: “من لا ينتخبنا ليس منا”؟ أين اختفت أصواتهم المنافقة ، اين رجال الدين ونهاب الأمة،وهم يرون بعلبك تُباد؟ لا إغاثة، لا إنقاذ، لا عون. صمتهم اليوم يكشف زيف ادعاءاتهم بالأمس.
وإلى أولئك المتاجرين بآلام الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي، أقول: كفى عبثاً بمشاعر الناس! الخير الحقيقي لا يحتاج إلى كاميرات لزيادة المشاهدات. إنه ينبع من القلب ويصل إلى القلب دون ضجيج أو تباهٍ..
يا أهل طرابلس الأبية، لكم مني كل التحية والتقدير. لقد أثبتم للعالم أجمع أن الإنسانية لا تعرف حدوداً طائفية أو جغرافية. وقفتكم مع إخوانكم هي درس في الأخلاق والشهامة لكل من تخلى عن واجبه الإنساني.
أما أنتم، أيها المسؤولون المتنقلون من خسة إلى أخرى، فقد سقطتم من عيون شعبكم. عجزكم عن تقديم أي عون حقيقي في هذه الأزمة هو وصمة عار ستلاحقكم ما حييتم.
إن هذه المحنة، رغم قسوتها، قد كشفت لنا حقيقة من نحن كشعب لبناني. نحن لسنا مجرد طوائف متناحرة، بل نحن أمة واحدة، تنبض بالحياة والأمل رغم كل المحن. فلنتمسك بهذه الروح الوطنية الحقيقية، ولنرفض كل محاولات التفرقة والتشتيت.
لبنان الحقيقي هو هذا الذي نراه اليوم: شعب متحد في وجه المحن، يمد يد العون لأخيه دون سؤال عن دينه أو طائفته. هذا هو لبنان الذي نحلم به ونستحقه.