كتاب وآراء
راوية المصري: العلمانية هي الخلاص من وحوش الطوائف…
في قلب المشرق، حيث تتمايل رائحة الأرز مع لحن الحضارات القديمة، يقبع وطن يحاصر بطيفين مزدوجين من الكراهية الطائفية والفساد المتجذر. لبنان، الفسيفساء المتشكلة من طوائف وديانات متعددة، يُصارع شكلاً خبيثاً من التعصب الذي يختلف جذرياً عن التيارات السوداء للعنصرية. هنا، الانقسام ليس فقط على أسس اللون أو العرق، بل الإيمان – فاصلة أثيرية ولكنها فعالة في تمزيق النسيج الاجتماعي.
الكراهية الطائفية في لبنان هي وحش تتأرجح عبر التعقيدات التاريخية والتدخلات الجيوسياسية. إنها تتفاقم في شقوق العقائد الدينية التي، بينما تظل مقدسة في حد ذاتها، تعزز التقسيم تحت ذريعة العصمة الإلهية.
العلمانية على مستوى عالٍ، القائمة على المبادئ الديمقراطية، توفر طريقاً مضاءً عبر ظلام الانقسام. إنها تقف في مواجهة النزعة المحلية التي تلجأ إلى سياسة الهوية. العلمانية على مستوى عالٍ لا تتسامح فقط مع التنوع؛ بل تقدره، وتعامل كل فرد كحامل متساوٍ للحقوق والواجبات بغض النظر عن عقيدته.
توحيد الشعب اللبناني تحت هذه المظلة العلمانية، الديمقراطية ليس مسألة تفضيل أيديولوجي بل ضرورة وجودية. يتطلب الجهد الجماعي للعلماء ورجال الدولة والمجتمع المدني والأهم من ذلك، المواطنين الذين يجب أن يتجاوزوا الولاءات الضيقة للطائفة، معانقين بدلاً من ذلك أفق الوحدة الوطنية الذي لا حدود له.
في لبنان المتخيل، ستكون العدالة ليست مثالية مجردة بل واقعًا معاشًا، يفيض في كل طبقات المجتمع. لن يعتمد الشباب في لبنان على تشاؤم الكراهية الوراثية، بل على وعد الفرصة المتساوية. لن تكون النساء محبوسات في الأعراف القديمة، بل مشاركات نشيطات في تقدم الأمة نحو تحقيق المساواة بين الجنسين. سيكون لكل فرد، بغض النظر عن أصله أو دينه، دور في سردية متكاملة لأمة تسعى نحو كل أنواع التقدم والازدهار.
هذه الرحلة نحو علمانية عالية المستوى، مرتكزة على القيم الديمقراطية، هي الجسر الذي يمكن للبنان من خلاله العبور من مرض الكراهية الطائفية والفساد إلى فجر عهد جديد—عصر يتميز بالوحدة والعدالة والالتزام الراسخ بالخير العام. في نبضات شعبه المتنوع يكمن حتمية نهوض لبنان، كطائر الفينيق من رماد الانقسام والصراع، ليصبح منارة للسلام والازدهار في عالم يحتاج بشدة إلى أمثلة عن كرامة الإنسان والانتصار الجماعي.