كتاب وآراء

راوية المصري: “الثقافة المحلية والعولمة”

في جوهر الحديث عن الانحلال الأخلاقي واضمحلال القيم النبيلة يُتهم الغرب بأنه المورد الأساسي لكل ما هو سلبي، فيما نحن شرقيًا نظل النقاء والجوهر القويم. ولكن هذه النظرية مستدامة بالنظرات القصيرة والآراء المحدودة وليست قادرة على استيعاب عمق الحقيقة وتشعباتها.
تعالوا نفتح أبواب العقل ونبصر الحقيقة ببصيرة نزيهة وواعية. إن الانحلال الأخلاقي، وغيره من مظاهر التغيير المجتمعي، هو مسار يتحدد بعوامل عديدة؛ منها ضعف التربية، وانعدام الإرشاد القيمي، وتفاقم المادية. نظرة نحو لبنان تكشف لنا كيف أن أبناء الوزراء والمسؤولين، وأصحاب الثراء الفاحش، يقيمون حفلات الزواج المثلي في بلدان أخرى، ويتلقون التهاني وبرقيات التهنئة كمن يتزوج في قلب كنيسة تاريخية. إن هذا المشهد يعكس جزءًا من المجتمع الذي جعل المال والسهولة معيارين أساسيين للحكم.
لا يمكننا تصدير اللوم إلى العلمانية الغربية ونعتهم بأنهم سبب البلاء، ونحن نشهد بأنفسنا دفاعنا المستميت عنها. الحقيقة هي أن التحولات الفكرية والأيديولوجية ليست مستوردة بالرياح الغربية، وإنما هي نتائج طبيعية لتفاعلات وتداخلات معقدة بين الثقافة المحلية والعولمة. ولو أننا نقول بأن الغرب هو المسؤول، فنحن بذلك نقزم من قدرتنا ومسؤوليتنا في تشكيل وتقويم مجتمعاتنا.
إن مسؤولية الحفاظ على القيم النبيلة تقع على عاتق كل واحد منا؛ في كيفية تربية الجيل القادم، وترسيخ المبادئ الأخلاقية القويمة في نفوسهم. وليس الحل في إلقاء اللوم والانتقاد على الآخرين، بل في عملية البناء الداخلي الصادق.
إنّ مسؤوليتنا أعظم من أن نجعلها تتناثر في الرياح، وأن نستسلم للأفكار المستوردة والمتخمة بالسلبيات. كن جزءًا من التغيير، واستخدم معرفتك وإرادتك لإحداث الفرق. لنكن شعلة الأمل، وقناديل الفكر الحر، نزرع بثبات القيم السامية، ونعيد للبشرية إشراقها المتوهج.
هذا النص ليس اتّهامًا للآخرين بقدر ما هو دعوة عميقة لأبناء الشرق: انظروا إلى المرآة وأبدأوا بالإصلاح من الذات، واعملوا جاهدين لتحسين مجتمعاتكم أنتم، فالتغيير لا يبدأ من الآخر، بل من داخل القلوب النقية والعقول الواعية.
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »