حبيب البستاني: “الأزمات الكبرى وانتخابات الرئاسة”
يشهد البلد عملية شد حبال كبيرة في موضوع انتخابات الرئاسة، وفيما يرى البعض انسداداً بالأفق في كل المواضيع المحيطة بهذا الاستحقاق، ويأنه لا مجال لعقد جلسة انتخاب الرئيس في ظل الانقسامات الكبيرة بين مختلف المكونات السياسية داخل وخارج المجلس النيابي، وفي المقلب الآخر يرى أكثر من طرف لا سيما الثنائي الشيعي وتحديدا فريق رئيس المجلس النيابي، أن منتصف حزيران سيشكل تاريخاً مفصلياً لإجراء الانتخابات الرئاسية، فهل من الممكن تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود ومعرفة الحقيقة؟
إن ما يجري في الإقليم يبشر بالخير فمن عودة سوريا إلى الجامعة العربية وعقد اجتماع للقمة العربية نهار الجمعة في جدة وبحضور سوريا، يشكل حدثاً ذو دلالات كبيرة على مستوى التفاهم الذي تحقق بين الدول العربية التي كانت وحتى الماضي القريب تعصف بها الخلافات والتباينات. أضف إلى ذلك التفاهم الإيراني المصري الذي هو قيد التحقيق بفعل الوساطة العراقية العمانية التي أعطت ثمارها وبالتالي فإن ذلك سيعطي جرعة كبيرة من الاستقرار في مختلف أنحاء المنطقة.
وقد أثمرت كل هذه التفاهمات إلى خلق نوع من الاستراتيجية العربية الموحدة تجاه قضية النازحين، فبالرغم من الموقف الغربي والأوروبي تحديداً والقائل بوجوب دمج النازحين في بلدان الإيواء، فإن الدول العربية متفقة على ضرورة عودة النازحين وعلى ضرورة تسهيل هذه العودة.
فهل زال الخطر من استمرار النزوح؟
بالرغم من كل ذلك فإن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة UNCHR لا تزال تعمل على دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني، وقد بدا ذلك واضحاً مع الطلب إلى المدارس اللبنانية بوجوب قبول التلامذة السوريين والبالغ عددهم حوالي 257000 طالب، 187000 في المدارس الرسمية و 11000 في مدارس خاصة مجانية و53000 في مدارس خاصة غير مجانية و6000 ضمن برامج التعليم الغير نظامية، بوجوب قبول هؤلاء في فترة قبل الظهر إسوة بالطلاب اللبنانيين، وقد قامت المفوضية بدفع حوافز مالية لإدارات المدارس قدرت بعشرات ملايين الدولارات. وهكذا نرى أن خطوات الدمج والإبقاء على النازحين تسابق إجراءات العودة التي لم تبدأ بعد.
إتفاق الخارج ولعبة الرئاسة
صحيح أن اتفاقات الإقليم لا بد أن تنعكس إيجاباً على ألأوضاع الداخلية اللبنانية لا سيما الانتخابات الرئاسية، ولكن يبقى السؤال هل يستطيع الخارج الإتيان برئيس بمعزل عن إرادة اللبنانيين؟
إن انتخاب اي رئيس للجمهورية لا بد أن يأتي كثمرة طبيعية لاتفاق اللبنانيين لا سيما ممثليهم في الندوة البرلمانية، واكثر من ذلك فإن اتفاق الخارج لن يمكنه من تمرير انتخاب الرئيس، بالسهولة التي يتصورها البعض. والقانون اللبناني يحدد شروطاً صعبة للانتخاب من نصاب ال86 نائباً لانعقاد الجلسة إلى الأكثرية العادية أي 65 نائباً في الدورة الثانية لانتخاب الرئيس، وهذه الشروط تبدو وكأنها وضعت من أجل تامين التوافق على إسم الرئيس العتيد.
إتصالات الداخل
تبدو الاتصالات بين مختلف الأطراف السياسيين وكأنها مكانك راوح، ومما زاد في الطين بلة كثرة الملفات الشائكة التي باتت تشكل موضع خلاف بين اللبنانيين والتي باتت معروفة من الجميع. مما يعني أنه بات من الملح إجراء التفاهمات الكبرى لمواجهة الأزمات الكبرى بين مختلف الأطراف. من هنا المطلوب من الجميع التواضع والخروج من منطق الفيتوات والفيتوات المضادة والعبور إلى منطق الاتفاق بدلاً منها. وعدا ذلك فإن عملية وضع التواريخ وضرب المواعيد ستبدو أقرب إلى التمني منها إلى الواقع.