تربية وثقافة

المكاري في ندوة عن كتاب “لبنان الكبير في الصحافة المهجرية”: مئة عام ويزيد والسجالات هي هي والمخاوف نفسها

أقيمت ندوة مساء أمس حول كتاب “لبنان الكبير في الصحافة المهجرية 1908- 1926” للكاتبة ليليان قربان عقل، بدعوة من وزير الاعلام في حكومة تصريف الاعمال زياد المكاري، ضمن فعاليات “بيروت عاصمة الاعلام العربي”، برعاية وزارة الاعلام، في الصالة الزجاجية في وزارة السياحة، تحدث فيها الوزير المكاري ورئيس جامعة القديس جاوجيوس الوزير السابق طارق متري والوزير السابق غازي العريضي، وأدار الندوة وقدم لها رئيس نادي الصحافة الاعلامي بسام ابو زيد.

حضر الندوة وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور جورج كلاس، وزير الزراعة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور عباس الحاج حسن، الوزير السابق بشارة مرهج، النائب السابق نعمة الله ابي نصر، المدير العام لوزارة الاعلام الدكتور حسان فلحة، مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الاب عبدو ابو كسم، السفير خالد زيادة، الكاتب سمير عطالله وعدد من الوجوه الاعلامية والثقافية والاجتماعية.

أبو زيد

بعد النشيد الوطني، ألقى أبو زيد كلمة أشاد فيها بالكتاب من حيث الموضوعات التي تناولها وقال: “عندما تصفحت الكتاب وقارنت ما ورد فيه من مقالات وما نحن عليه اليوم وما وجدت من تشابه، تولد عندي شعور أننا لا نستطيع تحقيق ما نتحدث عنه دائما وهو الوحدة الوطنية”.

المكاري

ثم القى الوزير المكاري كلمة قال فيها: “من قرأ جريدة فقد قرأ كتابا، أما من قرأ كتاب الدكتورة ليليان قربان عقل فقد عاين تاريخا. كتاب “لبنان الكبير في الصحافة المهجرية 1908-1926″ هو خلاصة أطروحة دكتوراه للمؤلفة عن انعكاس الانقسامات في دولة لبنان الكبير على الصحافة المهجرية واللبنانيين في المغتربات.
يسرني أن نجتمع اليوم حول هذا الكتاب القيم وفي إطار فعاليات بيروت عاصمة الإعلام العربي 2023. من ضفتي السياسة والصحافة، يتعرف قارئ هذا الكتاب الى ملامح الإشكالات حول الهوية والدور والتطلعات والهواجس التي برزت إبان تلك المرحلة، بدءا من إعادة الاعتبار الى الدستور العثماني عام 1908 وصولا الى ولادة الدستور اللبناني عام 1926. وكل هذه المشهدية لا تزال في صلب حياتنا السياسية اليوم. عجبا! مئة عام ويزيد، والسجالات هي هي، والمخاوف نفسها، لكأنها تتوالد وتتناسل مع كل جيل. لن أطيل الكلام على الموروثات السياسية ولن أغوص في التاريخ ولن أستعيد فصولا من تلك المرحلة التأسيسية لأن الكاتبة أشبعت كل هذه النواحي درسا، بل سأتوقف عند تأثير الصحافة في بنية المجتمعات وتقرير مصير الشعوب من خلال الحراك الفكري الذي ظهرته المؤلفة خير تظهير”.

أضاف:”في أطروحتها التي صارت كتابا، قدمت لنا العزيزة ليليان دليلا قاطعا على أن الصحافة الورقية لطالما كانت لسان الشعوب وسيفها، فتناولت الصحافة المهجرية في الولايات المتحدة الاميركية من خلال صحيفتي “الهدى” و”مرآة الغرب” اللتين كانتا تصدران آنذاك. قبل الحرب العالمية الأولى كان رأيهما متطابقا لناحية رفض الممارسات العثمانية ومناصرة حقوق اللبنانيين والسوريين، وما لبث التباين أن ظهر مع ظهور بوادر لبنان الكبير. ولم تقصر الكاتبة في تسطير اختلاف الرأي خلال انعقاد مؤتمر الصلح في باريس وإعلان دولة لبنان الكبير وولادة الدستور اللبناني، وفي هذا إضاءة واضحة ووافية على مفهوم صحافة القضايا والرأي التي تقود رأيا عاما”.

تابع: “نتحدث عن التأثير البالغ للصحافة في الرأي العام قبل مئة سنة، فما بالكم بتأثيرها اليوم وقد صار العالم قرية، بل بيتا واحدا؟. هذا التباين بين الصحيفتين يومذاك، حول قضايا وطنية وسياسية وتأسيسية، ألا يزال هو نفسه في يومنا، مع رقعة شعاع أوسع واتنشار أسرع، وإن اختلفت المسميات؟
الصحافة أيها السادة هي تأريخ قبل أي شيء آخر. ومؤرخ اللحظة يفترض أن يتحلى أولا بالموضوعية، وخصوصا في زمن يسري فيه الخبر كالنار في الهشيم، وينفذ فيه الرأي كالبرق، فيصبح الإعلام مخبرا وموجها ومؤثرا ومحركا، وناقلا الحدث من مكان الى مكان، في الوطن والمهجر، وما أدراك ما المهجر في بلد يعيش ثلاثة أضعاف أهله في ديار الاغتراب؟ يغرينا كتاب الدكتورة ليليان قربان عقل ويغنينا ويفرحنا، لما يبسطه أمامنا من حقائق تاريخية وفكرية وسياسية، بعدسة صحافية تؤثر وتتأثر، تؤثر لأنها سلطة رابعة، وتتأثر لأنها من صميم هذا المجتمع سياسة وعقيدة وميلا فكريا أو حزبيا. لسنا كلنا واحدا، لكننا لسنا مختلفين الى درجة الخلاف. الاختلاف في الرأي غير الخلاف، ويقيني أن الصحافة المسؤولة تغذي الأول على حساب الثاني”.

وختم: “بيروت كانت وستبقى عاصمة للاعلام العربي، منذ ما قبل ولادة لبنان الكبير الى اليوم وصولا الى الآتي من الأيام والأجيال، ومن كانت بيروت عاصمته فهو صحافي أصيل ورصين، أينما حل، سواء في لبنان أو في المهجر”.

 

متري
أما متري فقال في كلمته: “قرأت كتاب الدكتوره ليليان قربان عقل بمتعة وإهتمام. ولفتني جهدها في إستجماع المصادر والبحث الصّبور. وضعت السيّدة عقل بين أيدينا دراسة تؤلف بين إستعادة الأحداث وتحليل المواقف، مع مراعاة القواعد الخاصة بكل منهما. وانتقلت بينهما عند الحاجة من دون تعثّر ولا تشوّش. وأفدت ممّا تكوّن لديها من معرفة تلقي ضوءاً على ما دار بين اللبنانيين من أخذ وردّ في الوطن والمهجر، قبل إعلان دولة لبنان الكبير وبعده. ولعلّها بيّنت، أياً كان من إختلاف الصلة بالأحداث والقدرة على التأثير فيها بين لبنانيي لبنان ومغتربيه، أنّ النظر في مرآة صحيفتين تصدران في المغترب ومعه الإنتباه إلى جدليّة البُعد والقرب، يعزّز تلك المعرفة، لا سيّما تلك التي تأخذنا، بوعي أو من غير وعي، من الماضي إلى الحاضر ثمّ تعيدنا إليه.

بطبيعة الحال، لا تخفى على الكاتبة محاذرة الإنزلاق إلى الخلط بين أسئلة السلف والهموم الحاضرة وإن المحاذرة هذه تبدأ من اللغة، إذ هي الباب إلى تأكيد حقّ كلّ منّا في تفسير نفسه بنفسه. فلم تمل إلى إسقاط لغة الحاضر على الماضي، وهو ما يجنح إليه بعض الدّارسين. حسبي أن أذكر مثلاً بسيطاً هو تسمية الصّحافة المهجريّة بالصّحافة المهجريّة والإحجام عن تسميات مُستحدثة وإيديولوجيّة الدلالة تُنزل الكلمات في غير موضعها ومنها “الإنتشار والمُنتَشرين” التي تحل محلّ الإغتراب والمغتربين او الهجرة والمهاجرين”.

أضاف: “أول ما استوقفني عند قراءة الكتاب، هو العلاقة بين الصّحافة والأدب. تذكّرت كتاب جورج صيدح “أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية” الوارد في لائحة المراجع التي اطّلعت الكاتبة عليها والذي يظهر أن ما يشدّ الصّحافة إلى الأدب أقوى ممّا يميّز بينهما. وفي هذه التذكّر، لا أعصم نفسي ان سمحتم لي، عن بعض الحنين إلى صحافة كانت تصنع الرأي العام وتسهم في تثقيفه بحقّ.  والحنين هذا يقوى في عالم اليوم الذي لا يشهد تجانساً ثقافيّاً بقوّة العَولّمة فحسب، بل تسطيحاً، حسب عبارة المفكّر الفرنسي Olivier Roy  الذي اختاره عنوانا لكتابه الصّادر منذ أشهر  L’Aplatissement du monde. فالمعجم الإصطلاحي، بكلّ اللغات، لا سيّما الإنكليزية المُعَولَمة globish، يزداد فقرا.  وتنقطع الكلمات عن الثقافة التي تجيء منها، بل عن تاريخها. ويغيب التمييز بين الكثير من الكلمات-المفاهيم فتُستَعمل الواحدة عوض الأخرى من دون حرج. بالأمس، إستمعت إلى معلّق يتحدّث عن التمحور والتمركز والتموضع والتمفصل وكأنها مترادفات. كما تكثر الإشارات والإيحاءات التي تحيل من دون وعي أصحابها الى عوالم لا يعرفون عنها الكثير.

واستوقفتني أيضاً، وفي صحيفتي الهدى ومرآة الغرب، لباقة، باتت نادرة عندنا، في التمييز بين الخبر والرأي إذا ما تعذّر الفصل بينهما وهو أفضل السبل لإطلاع القارىء وإفهامه، قبل محاولة إقناعه. ومن شأن هذا التمييز أن ييسّر عمليّة تحليل المضمون. وقد قامت بها الكاتبة وفق منهج فصّلته لنا. ومن سمات هذا التحليل هو أنّه لا يُغلق على نفسه في التناقض المفترض دائماً وجازما بين جريدة مؤيّدة لفرنسا، تختلط فيها لبنانيّتها بمارونيّتها أو مسيحيّتها، وأخرى تنتقد فرنسا، بقساوة أحياناً كثيرة، استناداً لا إلى تصوّرات، بل إلى ممارسات، وتُظهر تعاطفاً جليّاً مع فيصل والمؤتمر السّوري. رغم ذلك، نجد بين الإثنين بعض المشتركات في الدّوافع، إن لم يكن في الخيارات. فكلا الموقفين مطبوع ما أسمته الكاتبة تشابك الهويّة. فاللبنانيّة والسّورية والعربية تتلاقى ثمّ تفترق وفي بعض الحالات يكاد وعي الذات يضيع بين التسميات. وليس هذا بالمستغرب لأن الخروج من عالم العثمانيّة التقليدي، عالم الدّولة المتعدّدة الهويّة، إلى عالم الدّولة الوطنيّة الحديثة الذي يكتنفه الغموض، يضع الهويّة تحت السؤال. أكثر من ذلك، إنّ جدليّة الجماعة والوطن، أو على ما يبدو ذهاباً وإياباً بين الطّائفة، الضّاربة جذورها عميقا، والوطن الناشئ، تبقى الهويّة تحت السّؤال. ثمّ إنّ الهويّات، وصرنا نعي ذلك في أيّامنا، ليست نافية الواحدة للأخرى، من شأن تعدّدها عند الفرد الواحد أن يقوده إلى التوفيق بينها أو بالأحرى إلى مصالحتها”.

وتابع متري: “استوقفني أيضاً ما نشرته “مرآة الغرب” أو “العهد الجديد”، التي لم أعرف أن كانت صحيفة أخرى، عن مناقشات دارت عام 1926 حول الدّستور وأهمّها ما اختصّ بالطّائفيّة. ففيما عارض نائبان، جورج تابت وجورج زوين وجودها في القانون الأساسي أو الدّستور، أيّد الآخرون ذلك، بإسم العادات السّائدة في لبنان وإلتماساً للعدل والوفاق كما قالوا. وتفاوتت المواقف بين من رأى أن تكون مؤقّتة، كميشال شيحا، ومن حسبها الصّيغة التي تضمن حقوق الجميع. لكنّ نفراً من المطالبين بتكريس الطّائفيّة، والمقصود بطبيعة الحال لا العصبيّة لجماعة ضدّ سواها، بل توزيع المناصب وفق تمثيل للطّوائف متّفق عليه، لم يأنف من وصفها بالدّاء وهي كذلك، ثمّ أسرع للقول، على منوال أبي نوّاس، أو إستعارة لدرء الأمراض بالتّلقيح، أنّها داء ودواء بآن. غنيّ عن القول، أنّ ذلك النّقاش، إلى بساطة لغته بل فجاجتها أحياناً، رافق اللبنانيين حتّى أيّامنا الحاضرة. وكأنّ تاريخنا المعاصر، أيّ خلال مئة عام، واسمحوا لي ان اقلب عبارة ماركس الشّهيرة، يعيد نفسه بصورة ملهاة مرّة ومأساة مرّات كثيرة. كما استوقفني الحديث عن الهجرة، في صفحات عدّة من الكتاب، أكان ذلك في معرض الإقتباس ممّا قالته الصحف المهاجرة أو من باب تعليق المؤلّفة. فالصّحافة هاجرت دون أن تهجر الإهتمام بالقضايا الوطنيّة، وقرأنا أيضاً أن الهجرة إزدادت في أواخر القرن التاسع عشر بسبب تعاظم القلق ومعه النّزعة الإستقلاليّة والسّعي إلى الحريّة. ممّا دفع المواطنين إلى ترك بلادهم بحثاً عن ظروف حياة أفضل، وهي تعود بحسب نعّوم مكرزل إلى السّعي وراء الذهب الإبريز أو التخلّص من الظّلم أو تحصيل الأدب والعلم فوطىىء المهاجرون أرضاً هبّت الحريّة فيها هواء. وتذكر المؤلّفة أيضاً أن اللبنانيين الذين هاجروا لم يفعلوا ذلك من أجل إصدار الصّحف والمجلّات، بل لأسباب إقتصاديّة وسياسيّة ودينيّة وهرباً من ظلم أو سعياً وراء لقمة عيش ورغبة بالإستقلال والسّيادة.

وتستشهد بفيليب حتّي الذي وضع حب الحريّة في مقدّم أسباب الهجرة، وهو ما استقر في السّرديّة التي تفوّقت عن سواها بين اللبنانيين، منذ نهايات القرن التّاسع عشر حتّى اليوم، والتي تضع النّير العثماني في رأس العوامل الدّافعة. وهي سرديّة قليلاً ما تتحدّث عن العوامل الجاذبة. وتحضرني في هذا السّياق مساهمات الدّيموغرافيّين فيليب فارغ ويوسف كرباج، اللذين درسا المسألة ظهراً على قلب، فلم ينفيا كل ما يُقال في السّرديّة السّائدة أو في سواها مثل ما قرأنا في الكتاب، لكنّهما أعادا ترتيب الدّوافع بحسب الأهميّة. فخصّا بالأوّليّة تطلّع اللبنانيين الى مستوى معيشة أفضل نتيجة تحسّن التعليم والصّحة ومعدّل الأعمار، وإنخفاض وفيّات الأطفال، وهي معيشة لم يعد الاقتصاد المحلي قادرا على تأمينها. وفي اعتقادي، لم يغيّر قرن من الزمن هذه الأوّليّة، مهما كان أمر الدّوافع الأخرى، التي غالباً ما يُعلي المهاجرون شأنها، كالهرب من الإضطهاد أو عشق الحريّة”.

وأنهى كلامه بالقول: “أمّا اليوم، فإننا أمام هجرة للبنانيين صارت فيها العوامل الدّافعة أقرب إلى العوامل الطّاردة، ألا وهي المعاناة الكبيرة التي أُنزلت بهم، بفعل الإنهيار والإفقار والإذلال والفساد العميم والفشل الذي لا قرار له. فهل تحيي هذه العوامل القاهرة والطّاردة دعوة أمين الريحاني عام 1916 في “مرآة الغرب” والقائلة “قد جمع الجوع بين أبناء الوطن فليجتمع أبناء الوطن على الجوع”.

العريضي

وتحدث الوزير السابق العريضي فقال: “شكرا للدكتورة ليليان قربان عقل التي جمعتنا حول كتاب قيم هو خلاصة بحث عميق ودقيق وعلمي وموضوعي ومهني في تاريخ لبنان الكبير ودور الصحافة المهجرية في مواكبة قيامته وإعلان دستوره في الفترة الممتدة بين عامي 1908 و1926، وقدمت قربانها المبارك لمن يحمل صادقا هم وطنه في تأملاته وصلاته، وقاربت الأمر مقاربة جدية بعيدة عن المبالغة والعواطف، وقصدت الصدق في بحثها فاستحقت جدارة البحث بعقل هادئ منفتح في مرحلة نجاهد فيها لنرى الجدارة أساس ومعيار تبوء المسؤوليات وحمل الأمانات في مواقع كثيرة، فنوقف تقديم لبنان ومصالح اللبنانيين ومستقبلهم قرابين على مذابح الأنانيات والحسابات والمصالح الفئوية والشخصية والطائفية والمذهبية. شكرا معالي وزير الإعلام المهندس زياد مكاري على تنظيم اللقاء في مناسبة عيد الصحافة وشهدائها ودعوتنا مع معالي الوزير الدكتور طارق متري فنعطي المؤلفة حقها ونقدم مقارباتنا حول المرحلة التي خصصت بحثها لها، ومقارناتنا بينها وبين المرحلة الحالية الصعبة التي نعيشها فنسأل : هل ثمة تغيرات؟ هل تغيرنا نحن؟ بل هل تعلمنا من التجارب والوقائع في لعبة الأمم المفتوحة والمستمرة لنحمي وطننا ونكهة التنوع فيه في إطار وحدته ونعيد إليه تألقه وشيئا من دوره الذي لا يمكن لأحد أن يقلده أو يقتبسه حتى لو استمر قصورنا وتهورنا، إذ لا مثيل للبنان وربما لا مثيل للبنانيين – دون تعميم – في عدم تقدير النعمة وفي اختراع النقمة تلو النقمة؟”.

 

وتابع: “أمـا في الكتاب فإنني أسجل التالي:

– اختارت الدكتورة ليليان صحيفتين في المهجر  “الهدى” و”مرآة الغرب” واضحتين في موقفيهما. الأولى تركز على ” النزعة اللبنانية ” والثانية على “النزعة العربية” في توثيق دقيق لليوميات والمقاربات حول السياسات البريطانية والفرنسية والأميركية في التنافس على منطقتنا. بدا واضحا الإنقسام اللبناني في الخارج، انعكاسا للإنقسام الداخلي. ولفتتني دعوة أمين الريحاني للتوحد حول الجوع عام 1916 فوقفت متألما في مقارنة ما جرى مع ما يجري اليوم في بلادنا. لسنا موحدين، بل نعيش انقساما خطيرا. ولم نتوحد حتى في مواجهة “المجاعة” التي نعيشها وهي صناعة لبنانية هذه المرة وليست بسبب حرب عالمية، باستثناء بعض المبادرات الداخلية في القرى والمدن ومع الاغتراب اللبناني لكن لا سياسة لبنانية رسمية ولا مبادرات ولا تفاعل مع خارج يضغط علينا بعد أن أوقعتنا سياسات وممارسات في ما نحن فيه وعليه. مؤلم هو هذا الإنقسام الحاد بين اللبنانيين في الداخل والخارج حول هويتهم وانتمائهم وعلاقاتهم مع محيطهم القريب والمحيطات البعيدة.

– في السياق يوثق الكتاب دور الاستعمار والانتداب في تنظيم الفتن والعمل على التفتيت والهيمنة والاستغلال ورفض كل أشكال الاستقلال وانقسام اللبنانيين في التعامل مع هذه الحقيقة وهذا الخطر. وقد أخذ الإنقسام في بعض محطات السجال والتعبير عنه في مقالات وكتابات وتصريحات حدا وحدة لا مثيل لهما في استخدام لغة طائفية مقيتة لتبرير المواقف في إطار مواجهة الهواجس والقلق،  مثل وصف “عرب الاسلام” بالجهل والتوحش وغيرها من النعوت. أو تصديق ما يقوله بعض الطامعين في بلادنا لتبرير انتدابهم كما قال الرئيس الفرنسي بوانكاريه: “نأتي لمساعدة اللبنانيين والسوريين ونعد الأهالي للحكم الذاتي في المستقبل”. تماما مثل كذبة مساعدتنا اليوم لإرساء قواعد “الديموقراطية” و”الحكم الرشيد”. والمسؤولية تقع على “الصناعيين” اللبنانيين الذين أوصلونا الى الحال الحاضرة وعدم الانسجام الداخلي والوصول الى تفاهمات. ما جرى سابقا كان قبل قيام دولة الإغتصاب والإرهـــاب اسرائيل. وقد تغيرت أمور كثيرة منذ ال 48 حتى اليوم. ونشهد انهيارات خطيرة في عالمنا العربي، وشهد الداخل اللبناني حروبا ويشهد اليوم توترات وخصومات كبيرة، ويخرج مسؤولون في الخارج يحذرون من “زوال لبنان” بما يتوافق للأسف مع ما ورد في الكتاب من تألم أمين الريحاني وغيره وتأكيدهم: “المسؤولية في لبنان بين أيدي اللبنانيين ويجب ألا ننتظر الخارج”! وهذا ما يقدم إلينا من “دروس” خارجية يوميا تحذر من وقوع ” لبنان في الهاوية” وقد قرأنا في الكتاب هذا التحذير أيضا.

– في الوفود التي ذهبت الى الخارج في باريس بشكل خاص، وفي مخاطبة الأميركيين والبريطانيين لطالما برزت خلافات استفاد منها الخارج. خلافات طاولت الأساسيات أحيانا وتأثرت بالمصالح الشخصية أحيانا أخرى . وهذا ما نتابعه اليوم في زيارات وفود لبنانية الى أميركا وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا والسويد وغيرها من الدول أو في اللقاءات الداخلية مع سفراء الدول المعنية وكأن شيئا لم يتغير.

– في الحديث عن الحرب العالمية الأولى، إقرار واضح بتمويل أميركا بعض الإعلام للدفاع عن موقفها وانخراطها في الحرب . والتمويل لا يزال مستمرا ومفتوحا من هنا وهناك. تمويل حروب داخلية وحروب آخرين، وتنافس دول على أرضنا وثرواتنا. وترافقه سياسة عقوبات فتحول بلدنا الى “سجن بسجون كثيرة” سجون العقوبات وسجون المساعدات (التمويل)…

– في لجنة الدستور 1926 بحث أمر في غاية الأهمية “طائفية الوظائف”. إذا عدنا إليه نجد أن لا شيء جديدا في البلد  لا نختلف على طائفية الوظائف فقط  ونذهب الى “السلة” بل نخطئ في العموم في اختيار الموظف بعيدا عن “الجدارة” و”الاستحقاق” الأساسييين اللذين أشير إليهما منذ أكثر من مئة عام.

كذلك ورد كلام دقيق ومطالبات كثيرة في “الهدى ” و”مرآة الغرب” وفي مطالبات الغرب، وبعض طروحات الداخل حول الإصلاح ولم نقترب منه بعد!

– كان صوت لبنان في “مرآة الغرب” نجيب دياب قويا شجاعا في الحديث عن مصانع السلاح في أميركا، ودعوة الى التوقف عن تعميمها وتوزيعها واعتبارها منتجا صناعيا اقتصاديا ماليا فقط . هذا هو خطرها اليوم في الداخل الأميركي. لا يخلو أسبوع دون قتل أبرياء في المدارس والملاهي والمطاعم والمقرات العامة. ونقاش داخلي صعب حول القوانين التي تشرعن هذه العمليات لأن هذه المصانع تمول الحملات الرئاسية أيضا ومواقع النفوذ والقرار على حساب أرواح الناس. هذا إضافة الى ما تطورت إليه الأمور من صراع تسلح في العالم كله وفي منطقتنا في دولة الإغتصاب والإرهاب بشكل خاص اسرائيل، حيث يذهب بعض العرب إليها يساهمون في تعزيز موقعها، وقد تحدث دياب عن تقدم اليهود في أميركا خصوصا والغرب عمـــوما في جمع المساعدات لمساندة “إخوانهم” في الحرب قبل وعد بلفور بسنة تقريبا! اليوم يملك العرب إمكانات هائلة لكن اسرائيل تتفوق تقنيا وتسحر كثيرين في منطقتنا يراهنون عليها للأسف!

– ” الهدى ” و”مرآة الغرب” قدمتا لنا تجربة إعلامية مميزة في التركيز على اللغة العربية ومشاركة كبار الأدباء في مقالاتهما وأبحاثهما ، مثل أمين الريحاني وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وغيرهم وغيرهم،  أعطوا اللغة قيمتها في زمن لم يكن فيه تواصل سريع  وتقنيات متقدمة . كان للأدب السياسي موقعه وكان لسياسة الأدب أثرها وكان يعبر عن الخلاف في الرأي بحرفية ومهنية وأخلاق وأدب ومصطلحات وكلمات صائبة لكنها قلما خرجت عن الأصول أو اساءت الى حرمة اللغة. للأسف نشهد اليوم استباحة غير معقولة وغير مقبولة لحرمة الكلمة واللغة في التعبير عن خلافاتنا مع تعدد وتنوع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة وفي مواقع التواصل الاجتماعي .

– في بحثها العميق أطلعتنا الدكتورة ليليان على تقنيات العمل الصحافي كتابة وإخراجا وفنا في تقديم المضمون من اختيار “الشعار الرمزي” أي LOGO الى شعار الهوية ” SLOGAN” الذي يعبر عن توجهات وسياسة كل من الصحيفتين المختارتين. وكان ثمة جهد وتعب كبيران وموهبة وفن في ذلك.

– أطلعنا الكتاب على دور مصر في القرنين التاسع عشر والعشرين حتى مرحلة إعداد البحث في احتضان الصحافيين وتأسيس الصحف التي لعبت دورا كبيرا مهما وقامت على أيادي لبنانيين كبار ساهموا في النهضة العربية السياسية والثقافية والفكرية والإعلامية!”.

أضاف: “في تجربتي المتواضعة بمعايشتي الحرب الأهلية في لبنان وقراءتي ومتابعتي المعقولة لما سبقها وهي كانت حرب الحروب: حروب الأزقة والشوارع والمصالح الضيقة، وحروب شهوة السلطة والطوائف والمذاهب، والخلاف على هوية البلد وانتمائه العربي وعلاقاته مع محيطه خصوصا في ظل وجود دولة الاحتلال اسرائيل، وحروب الآخرين على أرضنا واستخدامنا في مشاريعهم، خلصت إلى: إستخدمنا في كل شيء واستخدمنا كل شيء ضد بعضنا. وعدنا الى تفاهمات لا تساوي شيئا من التضحيات، ثم عدنا الى الخلافات ولم نتعلم. حررنا الأرض. هزمنا اسرائيل في انتصار لم يحصل في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي. نلنا حريتنا. متنا ونموت من أجل الحرية. جديرون في التضحية في سبيلها لكننا لسنا جديرين في ممارستها وحمايتها. أستمع الى الأجانب عندما يعتبرون لبنان مدرسة وقلت لكثيرين منهم متألما: “تتعلمون عندنا، وبنا”. وكتبت سابقا أكثر من مرة: “لبنان يعلم. اللبنانيون لا يتعلمون”. للأسف تعززت قناعاتي هذه في ما قرأت في كتاب الدكتورة ليليان قربان عقل ، التي أجدد الشكر لها على تعبها وإنتاجها وبحثها وصدقها وموضوعيتها واختيارها ” الهدى ” و” مرآة الغرب ” صحيفتين مستندين في بحثها ورغم ملاحظاتي السابقة الذكر أتطلع بأمل – إذ لا مكان لليأس – أن ننظر الى مرآة الغرب بعين البصيرة والوعي وأن نهتدي من تجاربنا ونتعلم علنا نتمكن من إنقاذ بلدنا. مع تجديد تأكيدي وإيماني: لن يأخذ أحد دور لبنان. إنه يستحق منا كل تعب ومعاناة وملاقاة بعضنا لحمايته”.

ختم:”شكرا معالي وزير الإعلام. تحية الى شهداء الصحافة ورعيل الأوائل الذين نعتز بهم وتعلمنا منهم الكثير. وأملي أن نرتقي نحن الإعلاميين في كل مواقفنا الى أعلى مراتب المسؤولية في ممارسة مهنتنا بحرفية وموضوعية وجدارة في التعبير عن خلافاتنا بلغة تعطينا الكثير بما يمكننا اللجوء إليه للدفاع عن آرائنا بعيدا عن “التفـــاهة” و”الخفة” و”تبسيط الأمور”.

قربان عقل
ثم كانت كلمة الكاتبة الدكتورة قربان قالت فيها: “يشرفني عميقا أن أنتدي مع قاماتكم الوطنية وألتقي مقاماتكم الفكرية الرفيعة حول كتابي “لبنان الكبير في الصحافة المهجرية”، مقدرة بإعتزاز الرعاية الغالية لمعالي وزير الإعلام المهندس زياد المكاري بإدراج هذه الندوة في باكورة فعاليات إحتفالية بيروت عاصمة للإعلام العربي 2023. وإني لشديدة الإفتخار بأن يكون معالي الوزيرين، الأستاذ غازي العريضي والدكتور طارق متري المتضلعين من الإعلام والتاريخ وعلوم القضايا، قطبي الكلمة التقويمية والموقف النقدي في موضوع تاريخي – وطني إشكالي، لما يزل وبعد مرور المئوية الأولى لإعلان (دولة لبنان الكبير) محور مجادلات متباينة ونقاشات منبرية علنية صارخة، أو همسات إعتراضية رافضة، هي بكليتها تظهير بالألوان لتاريخ مكتوب بالأسود والأبيض، وكشف لمجهولات كانت مخبأة في مجلدات وأعداد الصحف المهجرية اللبنانية التي دونت عن بعد وكتبت التاريخ الخام لفترة تاريخية هي من أدق مراحل تكوين لبنان الحديث، بخارطتيه: لبنان الصغير زمن المتصرفية، ولبنان الكبير زمن الإنتداب، وإني لواثقة بأن لكل بلد أكثر من تاريخ: التاريخ السري المسكوت عنه والتاريخ الخاضع لعمليات تجميل وإدخالات وإسقاطات غب الطلب تستجيب للكتابة التوافقية التي لم تقنع مرة ولم تعمر طويلا، لأن الشدائد تكشف الحقائق المرة…!”.

أضافت: “وإذ لا أدعي أنني أقفلت النقاش وخلصت إلى قناعات لبنانية جامعة حول تشكل لبنان الذي لم يرتح يوما من التشظيات الداخلية ولا التدخلات الخارجية، إلا أني قصدت الإثبات أن مخزونات الدوريات اللبنانية التي كانت تصدر في الربع الأول من القرن العشرين في لبنان وديار الإنتشار، هي إرث وطني وتراثي واسع المدارك كثير المعارف، وهو ملكية فكرية قومية من المهم وضع إستراتجية عمل برعاية وزارة الإعلام ووزارة الثقافة ووزارة الخارجية لرصدها والعمل لإستعادتها، نسخا أو أعدادا ورقية، فيعود تاريخ لبنان الخام إلى قلب لبنان… وعندها يمكن أن نبدأ فعلا بوضع أسس علمية صلبة بعيدا عن مفاهيم “التوافقية، والمراعاة والإختباء وراء ظل الأحداث والهرب من واقع الحوادث، بأسبابها ونتائجها وتداعياتها”.

تابعت:”هذا الكتاب هو بالأصل أطروحة دكتوراه في علوم الإعلام والإتصال، خضعت للإشراف كما خضعت لقراءة ونقاش من على قوس محكمة المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية، لكنه اليوم وبعد إدخال تعديلات وإضافات عليه يستوي إصدارا خاضعا للنقد والتقويم من على قوس محكمة عارفين بالتاريخ ومتضلعين من فنون الصحافة ومقدري دورها في صناعة الفكر النقدي القديم”.

وختمت: “إننا في زمن عيد حرية الصحافة وشهداء كلمة الحرية، نقف وقفة مجد لشهداء الصحافة والكلمة، فلي أن أقول: إن حرية التفكير أسبق من حرية التعبير… والا لماذا اضطهدت الصحف وحوكمت وهجرت وهاجرت؟ خاتمة الكلام، بعد خالص الشكر ووافر الإمتنان، إن عملية تأريخ تاريخنا لم تستكمل بعد…! وإنه لا صحافة خارج الحرية مؤكدة أن إرادة الحرية أهم من الحرية…! وإن نوعية مجتمعنا اللبناني هي بتنوعه! وتبقى التوصية بوجوب إعادة الجنسية للصحافة اللبنانية المتحدرة والمهجرة، فنسترجع أعدادها ونقيم للصحافة “نصب القلم المجهول”! شكرا لمعاليكم على رعايتكم ودعمكم ومشاركتكم الغالية. وتحية محبة لكل من أرّخ وفكّر وكتب وحضر وشارك فأغناني وأعزني. مبروك للبنان إحتفالية “بيروت عاصمة للإعلام العربي 2023″. كل التقدير لمعالي الوزير المهندس زياد المكاري ولرعايته الكريمة لهذه الندوة ولمعالي الوزراء والشكر موصول للزميل الأستاذ بسام أبو زيد رئيس نادي الصحافة”.

وختاما، تم توزيع الكتاب على الحاضرين، وكوكتيل للمناسبة.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »