«الفيتو المسيحي» كان موجوداً في كلّ الإنتخابات الرئاسيّة الماضية المشهد يتكرّر… القوى المسيحيّة تتفق على مصالحها… والنتائج مُخيّبة
المصدر: “صحيفة الديار – كمال ذبيان”
ليست المرة الاولى التي تقف قوى مسيحية فاعلة ضد مرشح لرئاسة الجمهورية، تعتبره غير معبّر عن «البيئة المسيحية»، او يحظى بـ «اكثرية» في الطائفة المارونية خصوصاً والمسيحية عموماً.
فمع كل انتخابات رئاسة الجمهورية المحجوزة عُرفاً للموارنة، ولا يوجد نص دستوري بحصرها بهم، كما الشيعة لرئاسة مجلس النواب، ورئاسة الحكومة للُسنة، فان ازمة دستورية وسياسية ترافقها، اضافة الى «اشكالية» فرض اسم مرشح من جهة محلية او اخرى دولية واقليمية.
والرفض رافق اول انتخاب لرئيس الجمهورية بشارة الخوري في العام 1943، وانقسم المسيحيون ومن حالفهم من طوائف اخرى، بين مرشح فرنسا اميل اده، ومرشح بريطانيا بشارة الخوري. وهذا ما رافق غالبية الانتخابات الرئاسية، والتي ظهرت مع انتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب، الذي لم ينل رضى بكركي، وكذلك مع شارل حلو الذي سمته «الشهابية»، التي كانت نتاج اتفاق اميركي – مصري في العام 1958.
وبرز الرفض المسيحي تحديدا مع استحقاق رئاسة الجمهورية في العام 1970، وكان «الحلف الثلاثي الماروني» نشأ ضد «حكم الشهابية» او ما كان يُعرف «بالنهج» و «المكتب الثاني» (مخابرات الجيش)، فتمكن هذا الحلف من الفوز «باكثرية نيابية مسيحية»، لا سيما المقاعد المارونية في محافظة جبل لبنان وجزين وبشري والاشرفية في بيروت الاولى الخ…
هذا «التكتل النيابي المسيحي» وقف ضد وصول رئيس للجمهورية يُسمى من قبل «تكتل النهج» في العام 1970، التي ترشح لها رئيس حزب «الكتائب» بيار الجميل وريمون اده امين عام «الكتلة الوطنية»، في مواجهة «مرشح الشهابية» (النهج) الياس سركيس، مما اضطر النواب الموازنة في «الحلف الثلاثي»، ان يرشحوا اسماً وسطياً فكان دعم ترشيح سليمان فرنجية الجد، الذي سماه «تكتل الوسط» برئاسة صائب سلام، وخيضت معركة رئاسة الجمهورية بين فرنجية وسركيس الذي خسر على صوت واحد.
وفي قراءة للانتخابات الرئاسية، فان الخلاف كان قائماً دائماً حول المرشحين، اضافة الى ان «الفيتو المسيحي» كان موجوداً، وهذا ما جرى عند الاتفاق الذي حصل بين الرئيس السوري حافظ الاسد والموفد الاميركي ريتشارد مورفي على اسم النائب مخايل الضاهر، الذي رفض «لقاء مسيحي» ترأسه البطريرك صفير اسم الضاهر، الذي رد عليه مورفي بالقول «الضاهر او الفوضى» فلم يترشح الضاهر، وعمت الفوضى بفراغ رئاسي ملأته حكومة عسكرية ترأسها قائد الجيش العماد ميشال عون في 23 ايلول 1988، ومعه بدأت سنوات من الحروب، وكانت «الساحة المسيحية» عنوانها، وتحديداً في «حرب الالغاء» بين «القوات اللبنانية» والجيش الموالي لقائد الجيش عون.
فاتفاق الضرورة والمصلحة، هو الذي كان يجمع قوى مسيحية مؤثرة ولم تكن النتائج المرجوة منها، فكانت تخضع فيما بعد لما يجري من تحولات وتطورات، وكان من يقف ضدها من احزاب او مراجع مسيحية، نصيبه النفي او الابعاد او السجن، وهذه التجربة تكررت بعد اتفاق الطائف، فوقف العماد عون ضد انتخاب الرئيس رينيه معوض او مرشح آخر، لانه كان يحجز كرسي رئاسة الجمهورية له، منذ ما قبل نهاية عهد الرئيس امين الجميل.
ويتأتى الرفض الماروني خصوصاً على اسم مرشح او اكثر، من ان كل ماروني يرى في نفسه رئيساً للجمهورية ومرشحاً لهذا المنصب، وفق ما يكشف مصدر سياسي مطلع على الوضع المسيحي، الذي يعتبر ان هذه ازمة دائمة في الطائفة المارونية، التي قد يأتي يوما وتخسر فيه هذا الموقع، ليكون مسيحياً وليس مارونياً، وفي حال الغاء الطائفية السياسية، يبطل مفعول «العُرف» وتزول المادة 95 من الدستور، التي تنص على ان الطائفية مرحلة مؤقتة.
فالقوى المسيحية التي تحاول ان تتوحد في معارضة ضد ترشيح سليمان فرنجية، تجمعها مصلحة فئوية، اذ كل طرف منها يرى في رفض ترشيح رئيس «تيار المردة» ما يؤمن مصالحه، وهذا ما بُني عليه «اتفاق معراب» الذي لم يعمّر، وهو حصل لعدم وصول فرنجية، ولان العماد عون هو «الاصلي في 14 اذار وليس التايواني» كما وصفه رئيس «القوات» سمير جعجع الذي ومن هذه التجربة، ليس متحمساً لاتفاق آخر مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، الذي سيسخر «القوات» لتطيير فرنجية ، وهذا لا ترى «القوات» فيه افادة لها، وفق ما تقول مصادرها، في حين ان باسيل يناور بـ «القوات» في مواجهة حزب الله، ليأخذ منه رفض فرنجية والسير بمرشح يسميه مع حزب الله، الذي لن يتراجع عن دعمه لفرنجية، وفق ما يؤكد مسؤولون فيه ومعهم «حركة امل».
فالقوى المسيحية في كل تجاربها السابقة برفض مرشح، لا سيما منذ عشية الطائف وبعده، لم تكن مؤثرة في رئاسة الجمهورية، حيث انتخب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بموجب تسوية حصلت في اتفاق الدوحة، والعماد عون سماه حزب الله وانتظر عامين ونصف عام لتأتي تسوية قبلها سعد الحريري بعد ان كان يسوّق لفرنجية، وعدم تمكن جعجع من الحصول على اصوات، ففاز عون بالرئاسة الاولى، بعد التحاق «القوات» بالتسوية الرئاسية.