كتاب وآراء

السعوديّة تنتظر انتقاماً أميركياً على اتفاقها مع إيران وتقاربها مع سوريا إغتيال الملك فيصل يعود الى المشهد بعد استخدامه النفط في حرب 1973

المصدر: “صحيفة الديار – كمال ذبيان”

ازعج الاتفاق السعودي – الايراني الذي ابرم برعاية الصين قبل حوالى شهرين، الولايات المتحدة الاميركية، التي فوجئت به وبالتقارب الصيني – السعودي، الذي ظهر في ثلاث قمم عقدت في الرياض في 12 كانون الاول الماضي هي: قمة سعودية – صينة ، خليجية – صينية وعربية – صينية، وهذا ما اقلق واشنطن، التي رأت تحولاً في موقف المملكة باتجاه الشرق عموماً والصين خصوصاً، مع تعدد حلفاء السعودية التي لم ترفع العداء لاميركا، لكنها لم تعد تعتبرها الحليف الاوحد، تمشياً مع التعددية القطبية التي تسود في العالم وسقوط «الأحادية الاميركية»، التي انتعشت مع انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية الثمانينات، الذي كان يشكل مع اميركا ثنائية تتوزع الهيمنة في العالم، وتدور دول في فلكهما، وتقاسما النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري، وانشأت الهند ومصر ويوغسلافيا «دول عدم الانحياز»، بعيدا من صراع الرأسمالية والشيوعية والحرب الباردة.

فمع التغيرات التي تحصل في العالم، وبروز الصين كدولة توازي بين اقتصادين السوق ودولة الرعاية، فاعتمدت طريقا سمته «الحزم» في استعادة لطريق الحرير الذي ربط دولا في العالم عبر ممرات، وكانت طريقاً للتجارة والنقل قبل قرون، وهو ما حفّز القيادة الصينية، التي تحمل فكراً ماوياً نسبة «لماوتسيتونغ»، الذي كانت له نظرية مختلفة عن «الماركسية – اللينينية»، فابقاها داخل «السور الصيني»، الى ان اطلق المارد الصيني محققاً قفزات في العقود الاخيرة فاجأت العالم، الذي بات يطالب «ليس العلم من الصين» فقط، بل التكنولوجيا وصناعات اخرى، فتحكمت بكين بالسوق العالمية، ومنها اميركا، التي شكل الميزان التجاري الاميركي عجزاً لمصلحة الصادرات الصينية.

من هنا، فان الصين قدمت نفسها قطباً اقتصادياً، وليس كما فعلت اميركا باقامة قواعد عسكرية لغزو الدول، ووضعها في دائرة مصالحها، دون ان تقدم ما يعزز اقتصادات الدول، بل فتحتها لاستثمارات شركاتها، التي تتحكم بالقرار السياسي، فكان تصدير السلاح اولوية اميركية، فافتعلت الحروب لتشغيل مصانع الاسلحة، وفق ما يقرأ خبير في العلاقات الدولية، الذي يرى ان ما يشهده العالم هو لمصلحة الدول النامية التي تنشط فيها الصين تنموياً لاقامة بنية اقتصادية لها في القارة الافريقية، كما في شرق آسيا، وهي اتجهت الى دول الشرق الادنى والاوسط، بعد تعزيز علاقاتها مع روسيا، وتنشيط تعاونها مع ايران، وتعميق تحالفها مع الهند، وانشاء ما سمي «دول البريكس» الذي بدأت دول تدخل فيه، وهو ما فعلته مؤخرا السعودية، التي انتمت الى منظمة «شانغهاي»، وهذا ما زاد من غضب واشنطن على المملكة، التي لم تتراجع تحت الضغوط والتهديدات الاميركية، حيث «خسرت اميركا حليفاً ربحته الصين»، التي كانت مبادرتها السياسية، حصول الاتفاق السعودي – الايراني، الذي اقلق العدو الاسرائيلي ايضاً، الذي كان يأمل ان يستكمل التطبيع مع السعودية كما فعلت دول عربية اخرى، وهذا ما اعلنه رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، لكن الاتفاق السعودي – الايراني كسر ظهره، كما يؤكد خصومه داخل الكيان الصهيوني، والذين يحملونه مسؤولية تراجع دور الدولة العبرية اقليمياً، وان هذا الاتفاق ليس لمصلحتها ابداً.

وارسلت واشنطن السيناتور الجمهوري لندسي غراهام الى الرياض، لاستطلاع ما حصل والتحول الذي قامت به المملكة بقيادة ولي العهد الامير محمد بن سلمان، الذي يطرح مشروع «اوروبا جديدة»، التي وُلدت بعد حربين عالميتين اولى وثانية وكلفت القارة ملايين القتلى ودماراً، وهو ما يشهده العالم العربي من حروب مدمرة كانت في اكثرها تقف اميركا وراءها.

وخرج الموفد الاميركي غراهام، وبعده مدير المخابرات المركزية الاميركية ويليام بيرنز من المملكة بغضب شديد على القيادة السعودية، التي لم تستجب للطلبات والاوامر الاميركية بوقف الاندفاعة نحو الصين، ووقف عودة العلاقات مع سوريا، التي زارها وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، بعد مجيء المبعوثين الاميركيين، مما يؤشر الى التوتر بين الطرفين، وفق مصادر مطلعة على الموقف السعودي، الذي يتطلب اكثر، ويضع المسؤولون في المملكة حسابات ان تنتقم واشنطن من القيادة السعودية، التي اصبحت في موقع حليف لدول تصنفها اميركا باعداء لها، مثل الصين وايران وسوريا، اضافة الى روسيا التي تتعاون مع المملكة بموضوع النفط عبر منظمة «اوبك +»، حيث لم يستجب ابن سلمان، لطلبات اميركا بعدم تخفيض الانتاج والتوجه نحو بيع النفط بغير الدولار، مما رفع من منسوب التوتر بين «الحليفين»، وان الرياض تنتظر رداً اميركياً، اذ يستذكر بعض المتابعين، مقتل الملك فيصل بن عبد العزيز في ربيع 1975، وعلى يد احد افراد الاسرة الحاكمة، وقيل انه مختل عقلياً، رداً على استخدام السعودية النفط كسلاح في حرب تشرين 1973، والتي خاضتها مصر وسوريا متعاونتين، وان المشهد قد يتكرر، حيث لن يمر خروج المملكة عن «الطاعة الاميركية» دون حساب اميركي، لا يعرف بعد مخططه، واين وكيف؟

ان تسارع التطورات الاقليمية والدولية، يفرض قراءتها ومتابعتها لجهة انعكاساتها، على الكرة الارضية قاطبة التي تشهد حروباً وازمات، وظهور اوبئة وامراض، وصدام ثقافات وحضارات، بالرغم من دعوات لحوارها، والتي دائما تكون في خدمة مشاريع سياسية كمثل «اتفاق ابراهاما»، الذي يخدم الكيان الصهيوني بالانفتاح عليه، من باب «حوار الاديان».

 

ولبنان الذي ينتظر انتخاب رئيس جمهوريته، هو على رصيف الازمات الدولية والاقليمية، يترقب انعكاس الاتفاق السعودي – الايراني، الذي اذا صمد، سيكون لمصلحة الشعب اللبناني، الذي ملّ الازمات والحروب والاقتتال، ولم يعد يتحمل الفساد ومسببيه، ولا اثارة الغرائز الطائفية والمذهبية، ولا استخدام ساحته صراعاً لمشاريع خارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »